ج 47. و48..مجموع الفتاوى لتقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى : 728هـ)
47. مجموع الفتاوى لتقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى : 728هـ)
اولا اعرض الواجهة الصحيحة للطلاق للعدة ثم نستأنف فتوي ابن تيمية
قلت المدون نماذج من حيود العلماء عن الحق في فتاواهم الفقهية لانصرافهم عن إعمال عنصر التراخي الزمني بين السورتين (سورة البقرة المنزلة في العام 1و2 هجري) ،، (وسورة الطلاق المنزلة في العام 5 هجري) وسهولة الرد علي تلك الفتاوي بدون تكلف وتأويل وتحوير
نماذج من حيود العلماء عن الحق في فتاواهم الفقهية لانصرافهم عن إعمال عنصر التراخي الزمني بين السورتين (سورة البقرة المنزلة في العام 1و2 هجري) ،، (وسورة الطلاق المنزلة في العام 5 هجري) وسهولة الرد علي تلك الفتاوي بدون تكلف وتأويل وتحوير
السؤال هو في حكم الطلاق في حالة الغضب:
س :/ امرأة مسلمة قال لها زوجها كثيرا وهو في حالة غضب شديد أنت طالق فما حكم ذلك خاصة وهم لديهم أطفال ؟.
ج:/(في حالة تشريع سورة الطلاق المنزل في العام 5 هـ بعد نسخ أحكام الطلاق السابقة بالتبديل التي سادت زمانا في سورة البقرة والمنزلة في العام (1و2 هـ) الرد: هو : لا طلاق أصلاً قد حدث لأن الله تعالي قد رَحَّل موضع التطليق لنهاية العدة وكلف كل عازمٍ علي الطلاق أن يُحْصِي عدة قدرها :
1.ثلاثة قروء لأمرأته التي تحيض وهي عدة ذوات الأقراء والتي تمددت ضمناً من سورة البقرة1و2 هـ الي تشريع أحكام العدد في سورة الطلاق 5 هـ لسكوت الله تعالي عن ذكرها وهي ممن لم ينسخ فيها من سورة البقرة إلا تبديل موضع العدة من الطلاق فبعد أن كان طلاقاً ثم عدة قدرها ثلاثة قروء في سورة البقرة تبدلت في سورة الطلاق الي عدة قدرها ثلاثة قروء في سورة الطلاق ثم تطليق ثم تفريق ثم إشهاد ==
الجزء السابع من سؤال وجواب في الطلاق زيادة يوم 18-8-2021 ..الشهادة في الطلاق
س1 / ما الحكم إذا جامع الرجل زوجته في عدة الطلاق دون نية لرجوعها ؟
ج1 / العدة الموجودة سابقا في طلاق سورة البقرة2هـ هي عد استبراء وتتميز بأنها
1.من خصائص سورة البقرة
2.ولا تبقي المطلقة في بيت طليقها لانها خلوة بين أجنبيين
3.فهذا الافتراض مستحيل
4.انما تقضي المطلقة حسب سورة البقرة عدتها عند أوليائها لحين الانتهاء حين كانت أحكام سورة البقرة2هـ مفعلة ثم تسرح فالتسريح تفريق بعد تفريق
س2 / وما هو الإفتراض الاخر ؟
ج2 / أما الافتراض الآخر وقد كُلف به الزوجان هنا فهو من خصائص سورة الطلاق5هـ الناسخة لمعظم أحكام طلاق سورة البقرة فسورة الطلاق تتميز::
1.بأنها الناسخة
2.وانها المنزلة لاحقا
3.وان العدة فيها قد تبدَّل موضعها بموضع الطلاق
4.وأن التلفظ بالطلاق قد ترحَّل الي بعد العدة
.لذا صارت الزوجة فيها مثل سائر الزوجات تحل كلها لزوجها في كل شيئ الا الجماع ليس لأنه مُحرم بينهما لكنه:
1/ لكنه شرط في الوصول الي بعد العدة
2/ وشرطٌ للتمهيد للفراق بينهما
3/ فإذا غلبت نفس أحدهما وتواطئا فعليهما استئناف اجراءات الاحصاء والعد من الاول وهكذا مغزي قوله تعالي{ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا}
س3 / كم تستغرق قضية الطلاق للضرر؟|الطلاق للضرر وحقوق الزوجه|الطلاق للضرر فى القانون المصرى
ج 3 / / لا نتناول المسألة قانونا لكننا هنا نناقشها شرعا ونري أن المحكمة تحكم بتشريع سورة البقرة 2هـ وتخلط بينه وبين تشريع سورة الطلاق5هـ رغم ان سورة الطلاق5هـ نسخت معظم أحكام الطلاق بسورة البقرة2هـ
س4. / كيف يتم الطلاق في المحكمة قانونا
لكن يتم الطلاق شرعا مرورا بالترتيبات التالية بالترتيب
ج4. اولا:
1.علي الزوج أن يشعر زوجته أنه شارع في تطليقها بعد العدة
2. يتأهب الزوجان للإحصاء لبلوغ أجل النهاية
3. لاتخرج الزوجة من البيت ولا يخرجها زوجها
4. حتي اذا بلغا نهاية العدة وانتهت
5. فهما في وقت الطلاق فإما يراجع الزوج نفسه فيمسكها ولا يطلقها ولا ملامة عليه أو إن أبي الا الطلاق فهذا وقت الطلاق بعد انتهاء العدة يعني في الطهر الثالث هكذا حدد الله ورسوله قرانا وسنة
س 5./ حقوق المراة اذا طلبت الطلاق للضرر
ج 5/ ذلك حكم الخلع نتعرض له هنا بصورة أسرع قال الله تعالي{ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) /البقرة}
// والخلع شُرِّع له هنا في سورة البقـرة 2هـ ولم يجري نسخة فبقي بحاله لم ينسخ وهو صورة من صور التفريق وليس الطلاق لحديث التفريق بينهما الأصح بين المختلعة وزوجها علي فدية يطلبها الزوج وحده الامثل ان ترد عليه مهره الذي امهرها اياه أما حده الاعلي لم يوضحه النبي ص لكنه حدد حده الامثل
س6./ وما الحديث الصحيح في ذلك
ج6./ الحديث رواه البخاري لأ زهر بن / باب: الخلع وكيفية الطلاق فيه.
وقول الله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله – إلى قوله – الظالمون} /البقرة: 229/.
وقال طاوس: {إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله} فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة، ولم يقل قول السفهاء: لا يحل حتى تقول لا أغتسل لك من جنابة.
*حدثنا أزهر بن جميل: حدثنا عبد الوهاب الثقفي: حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس:
أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله ﷺ : (أتردين عليه حديقته). قالت: نعم، قال رسول الله ﷺ : (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة). قال أبو عبد الله: لا يتابع فيه عن ابن عباس.
**وحدثنا إسحاق الواسطي: حدثنا خالد، عن خالد الحذاء، عن عكرمة: أن أخت عبد الله بن أبي: بهذا، وقال: (تردين حديقته)، قالت: نعم، فردتها، وأمره يطلقها.
وقال إبراهيم بن طهمان، عن خالد، عن عكرمة، عن النبي ﷺ : (وطلقها}
/ وعن أيوب بن أبي تميمة، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إني لا أعتب على ثابت في دين ولا خلق، ولكني لا أطيقه، فقال رسول الله ﷺ : (فتردين عليه حديقته). قالت: نعم.
*حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي: حدثنا قراد بن نوح: حدثنا جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أني أخاف الكفر، فقال رسول الله ﷺ : (فتردين عليه حديقته). قالت: نعم، فردت عليه، وأمره ففارقها.
حدثنا سليمان: حدثنا حماد، عن أيوب، عن عكرمة: أن جميلة، فذكر الحديث.
= / (آتيتموهن) أعطيتموهن من المهر. (يخافا) أي الزوجان. (يقيما) يلزما. حدود الله) ما لزم كل منهما من حقوق زوجية. تتمتها: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به -- تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يعتد فأولئك هم الظالمون}. (فلا…) فلا إثم عليها في بذله ولا إثم عليه في أخذه. (فيما افتدت به) ما تعطيه من مال تفتدي نفسها ليطلقها. (تلك حدود الله) أحكام شريعته التي أمركم بالوقوف عندها. (تعتدوها) تتجاوزوها. (دون سلطان) أي بغير حضور القاضي ولا علمه، والخلع هو أن يفارق الزوج زوجته مقابل مال تعطيه إياه. (دون…) المعنى: أن المخالع له أن يأخذ كل ما تملكه المرأة حتى ما دون عقاص رأسها، إذا افتدت منه بذلك، والعقاص جمع عقيصة وهي الضفيرة. وقيل هي الخيط التي تربط فيه الضفيرة. (لم يقل) أي لم يقل الله تعالى قول السفهاء، والمراد: يقول السفهاء أنهم يقولون: لا يحل للرجال أن يأخذوا شيئا حتى تقول المرأة: لا أغتسل لك من الجنابة، وقولها هذا كناية عن عدم السماح له بالوطء، فتكون عندها ناشزا}
(امرأة ثابت) اسمها جميلة بنت أبي بن سلول. (ما أعتب عليه) لا أعيبه ولا ألومه. (أكره الكفر) أي أن أقع في أسباب الكفر، من سوء العشرة مع الزوج ونقصانه حقه ونحو ذلك. (حديقته) بستانه الذي أعطاها إياه مهرا. (تطليقة) طلقة واحدة رجعية. (لا يتابع فيه) أي لا يتابعأزهر بن جميل على ذكر ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث .
قراد) هو لقب، واسمه عبد الرحمن بن غزوان، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع .
س7./ ما الحكم إذا قال الزوج سأطلقك أو سأعطيك ورقتك؟
ج7./ لا يقع بذلك طلاق غير أنه تعامل معها بغير معروف لكننا وضحنا في كل مدونة النخبة في شرعة الطلاق ومدونة قانون الحق الالهي أن التطليق أصبح منهجا وشريعة محكمة ليس لها صورتان او شكلان هو تشريع سورة الطلاق وجاءت العدة فيه حائلا بين الزوجة | Ù| والطلاق فلا يتم الطلاق الا بعد عدة الاحصاء
س8/ ما الحكم إذا جامع الرجل زوجته في عدة الطلاق دون نية لرجوعها ؟
ج8/.العدة الموجودة سابقا في طلاق سورة البقرة2هـ هي عدة استبراء وتتميز بأنها من خصائص سورة البقرة ولا تبقي المطلقة في بيت طليقها لانها خلوة بين أجنبيين فهذا الافتراض مستحيل انما تقضي المطلقة أثناء سورة البقرة عدتها عند أوليائها لحين الانتهاء ثم تسرح فالتسريح تفريق بعد تفريق
أما الافتراض المسؤل عنه هنا فهو من خصائص سورة الطلاق الناسخة لمعظم أحكام طلاق سورة البقرة فسورة الطلاق تتميز بأنها الناسخة وانها امنزلة لاحقا وان العدة فيها تبدل موضعها بموضع الطلاق وأن التلفظ بالطلاق ترحل الي بعد العدة لذا صارت الزوجة فيها مثل سائر الزوجات تحل كلها لزوجها في كل شيئ الا الجماع ليس لأنه مح رم بينهما لكنه شرط في الوصول الي بعد العدة وشرط للتمهيد الفراق بينهما فإذا غلبت نفس أحدهما وتواطئا فعليهما استئناف اجراءات الاحصاء والعد من الاول وهكذا مغزي قوله تعالي لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
س9/ كم تستغرق قضية الطلاق للضرر؟|الطلاق للضرر وحقوق الزوجه|الطلاق للضرر فى القانون المصرى
ج9. لا نتناول المسألة قانونا لكننا هنا نناقشها شرعا ونري أن المحكم تحكم بتشريع سورة البقرة وتخلط بينه وبين تشريع سورة الطلاق رغم ان سورة الطلاق5هـ نسخت معظم أحكام الطلاق بسورة البقرة2هـ ـ
س 10./ كيف يتم الطلاق في المحكمة قانونا لكن يتم الطلاق الشرعي مرورا بالترتيبات التالية بالترتيب
ج10.علي الزوج أن يشعر زوجته أنه شارع في تطليقها بعد العدة
2. يتأهب الزوجان للإحصاء لبلوغ أجل النهاية
3.لاتخرج الزوجة من البيت ولا يخرجها زوجها
4.حتي اذا بلغا نهاية العدة وانتهت
5.فهما في وقت الطلاق اما يراجع الزوج نفسه فيمسكها ولا يطلقها ولا ملامة عليه فإن أبي الا الطلاق فهذا وقت الطلاق بعد انتهاء العدة يعني في الطهر الثالث هكذا حدد الله ورسوله قرانا وسنة
س 11.حقوق المراة اذا طلبت الطلاق للضرر
ج11. لها حق المتعة فقط وليس لها أي شيء أخر الا المعروف
س 12.] ما الحكم إذا قال الزوج سأطلقك أو سأعطيك ورقتك؟!
ج 12.لم يقع بذلك طلاقا بل خرج الزوج عن حيز التعامل بالمعروف وعليه الكف عن ذلك والاستغفار
س 13...ماهي المراجل المميزة للطلاق
ج 13.
1. اولا مرحلة الانذار والشروع {في اول المسار}
2- ثانيا مرحلة الاعتداد وعدم ترك البيت لانهما ما زالا زوجين {في وسط المسار طول مدة العدة}
3. ثالثا مرحلة التحقيق وتنفيذ الطلاق {بعد اصرام العدة وبعد نهايتها}ان لم يرد الزوج امساك زوجته
س 14.الطلاق للشقاق واستحكام الخلاف
ج14. و عاشروهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ونوع الفراق بالمعروف يختاره المتضرر اكثران كانت الزوجة فخلع وان كان الزوج فطلاق
س 14. ما الحكم إذا طهرت النفساء ثم عاد إليها الدم قليلا ؟
ج14. النفساء هي المرأة الحامل التي وضعت حملها ووضْع الحمل هو ميقات تطليقها ان اراد الزوج والا فليمسكها ولا يطلقها
س 15. ما حكم طلب الزوجة الطلاق بسبب زواج زوجها بواحدة اخرى
ج15.عليها التوبة والاستغفار ولترضي بشرع الله ولتصبر لان الزواج الثاني والثالث والرابع شرع منزل لا ينبغي التأفف منه
س16. نسبة نفقة الاولاد من مرتب الزوج|نفقة الزوجة قبل الطلاق|ما هي نفقة الزوجة بعد الطلاق؟
ج 16. لينفق ذو سعة من سعته {سورة الطلاق}
س17.ماهى حقوق الزوجه عند الطلاق ؟|وماهى حقوق الزوج عند الطلاق ؟
ج17. حق الزوجة عند الطلاق التمتيع{المتعة}
س18.حكم طلاق الثلاث بلفظ واحد
ج18. لا هو واحد ولا هو ثلاثة انما لابد من عدة احصاء أولا ثم يحين بعدها ميقات وأجل التلفظ بالتطليق
س19. ما حكم طلب الطلاق بسبب عدم الانجاب
ج19.من حق الزوجة طلب الاولاد بالحلال ولها الحق في الخلع ان لم يستجب الزوج ولم يطلقها
س 20.ما حال الرجل بعد الطلاق و ما هي مشاعره
..؟؟
س21.ما كفارة الحلف بالطلاق أثناء الغضب
ج21.الطلاق لم يشرع للحلف به وكفارة هذا الخطأ التوبة والاستغفار وعدم اللغو هذا مرة اخري ثم ان منهج الطلاق صار عدة اولا ثم طلاقا اخرا واشهادا
///// س 22. ما هى اجراءات الطلاق
الغيابى
س23. ما صحة حديث إن أبغض الحلال عند الله الطلاق؟
=23. ضعيف
س24. ما هو الطلاق البدعي وهل يقع؟
ما معنى الطلاق البائن في الإسلام؟
ما حقوق الزوجة عند الطلاق علمًا بأنها السبب فيه؟
ما الحكم فى منع الزوجة زوجها من رؤية أبنائه بعد الطلاق ؟
س 29.ما الحكم فى منع الزوجة زوجها من رؤية أبنائه بعد الطلاق ؟
س 30.طلقها وأرجعها بدون إشهاد ثم طلقها وأرجعها بدون إشهاد ثم طلقها، ما الحكم في هذا الطلاق؟
س 31.ما الحكم في رجل أفطر بالجماع في نهار رمضان متعمداً؟ الشيخ صالح بن محمد اللحيدان
س 32.ما كفارة يمين الطلاق
س 33.ما حكم من حلف بيمين الطلاق وهو غير متزوج؟
س 34. ما حكم إنكار الزوج ليمين الطلاق؟
حكم الطلاق فى التليفون
س 35.ما معنى بينونة صغرى في حكم الطلاق من المحكمة؟
س 36.ما حكم يمين الطلاق بعد طلقتين رسميتين عند المأذون
================ترقيم ثاني ====
س37 / ما الفرق بين طلاق سورة البقرة2هـ وطلاق سورة الطلاق 5هـ
ج38./ طلاق سورة البقرة كان تطليقا يتبعه عدة استبراء ثم تسريح فبدله الله تعالي في سورة الطلاق الي عدة إحصاء ثم إمساك أو طلاق ثم إشهاد
س39./ لاحظت ان في شريعة الطلاق في سورة البقرة مساره هو بالترتيب تلفظ بالطلاق ثم اعتداد استبرائي ثم تسريح واختلف في سورة الطلاق ليكون بالترتيب اعتداد احصائي ثم امساك أو طلاق ثم اشهاد
سورة البقرة تلفظ بالطلاق ثم عدة استبراء ثم تسريح
سورة الطلاق عدة احصاء ثم امساك أو طلاق ثم اشهاد
سورة البقرة2هـ منسوخ منها أكثر أحكام الطلاق والمنسوخ منها هو
س40./ ما هي تفصيلات أحكام عدة الإحصاء لبلوغ أجل الإمساك أو الطلاق
ج40. / . وَ الواو هنا واو العطف ولا بد من معطوفٍ عليه في مستهل تفصيل أحكام عدة النساء وأقول المدون : أنها تعطف ما سيُذكر من عِدَد النساء علي تفصيل سابق تمدد وجوده من سورة البقرة الي سورة الطلاق وأبلغ الله ذكره هنا بلفظٍ أو قل حرفٍ واحد هو (و-----) هو عدة ذوات الأقراء (وهي ثلاثة قروء كما ذكرته آية العدة للائي يحضن في سورة البقرة((1و2 هـ))
2. اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ
3. وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ قلت المدون أقول لكل معرضٍ عن اتباع ما جاء بسورة الطلاق من تشريع ناسخٍ لما سبق نزوله في سورة البقرة إلا الذي أبقي عليه الله تعالي ولم يبدله نسخا ومحوا مثل الثلاثة قروء وبعض ما سنذكره هنا من الأحكام المتمددة دون نسخ من سورة البقرة الي سورة الطلاق أقول لهم لن تراعوا فقد أمركم الله تعالي بإتقائه وذلك بتطبيق أحكامه التي أنزلها في سورة الطلاق فقال تعالي: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ
وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ
وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
س41./ فماذا بعد أن تضع الحامل وتلد فبعد أن يضعن حملهن ويصرن الي طلاق ولم يُمسكهن أزواجهن فسيظهر في أفق المطلقين تداعيات الطلاق التي تبدأ بالإرضاع (الزوج المطلق والزوجة التي طلقت في نهاية العدة(بعد وضعها الحمل بسقط أو ولادة)
ج41./ تظهر بينهما مسائل الإرضاع وأجر الإرضاع لكون المرأة قد صارت مطلقة بعد وضع حملها وبلوغ أجل طلاقها ،والإنفاق علي الطفل وحضانة أمه والتي هي مطلقته كما ذكرها الله تعالي هنا في الآيات التالية :- فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)/سورة الطلاق المنزلة في العام السادس أو السابع الهجري
س42./ طلّقت زوجتي و هى حامل فى الشّهر الثامن، و سمعت أنّ هذا طلاقاً بدعياً، لأنّ الحامل طاهرة وقد جامعتها قبل ذلك، وهذا يعد جماعاً فى طهر قد طلّقتها فيه، فهل بقولي لها: "أنت طالق" عند ذلك يكون طلاقاً بدعياً لا يقع، أم يقع؟
ج43./ أقول لهذا الذي طلق امرأته في الشهر الثامن وهي حامل لم يفلق تلفظك عقد الزوجية ولو جمعت الأرض جميعا ليساعدوك علي فلقه لأن الله تعالي منع التلفظ منك علي الحقيقة وحرزه في دُبُرِ العدة وإن تلفظت بمثل الأرض طلاقا فميقات تفعيل اللفظ ليكون قادرا علي فلق عقد الزواج وإحداث أثره من الطلاق والفراق هو بلوغ الأجل واتمام عدة الإحصاء ونهاية العدة [ سواءا كانت المرأة من ذوات الأقراء فنهاية عدتها هي حلول نهاية الطهر الثالث وبعده الذي حُرِّز إليه التلفظ بالطلاق أو من اللائي لا يحضن فتوقيت طلاقها بعد نهاية الشهر الثالث القمري أو من أولات الأحمال فتوقيت طلاقهن بعد نهاية الحمل ووضعه والذي يُستدل عليه بوضع الحمل ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(
وبلوغ الأجل هو الذي شُرِّعَ لأجله حكم إحصاء العدة وهو ميقات نهاية العدة وهو ميقات تفعيل التلفظ والاستحواذ الفاعل علي لفظ التطليق وذلك لإحداث التفريق واتمام الإشهاد إن لم يمسك الزوج زوجته وعزم علي تطليقها فهنا وهنا فقط يكون الطلاق ولا قيمة لأي تلفظ بالطلاق في غير هذا التوقيت
كذلك قال الله تعالي }فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ { ↞ 🔔فالإمساك متعلق بشرط واحد هو بلوغ المعتدَّين نهاية اجل العدة وبعدها↞🔔
والتطليق متعلق بشرطين هما .
1.إعراض الزوج عن إمساك زوجته
2.وبلوغ أجل نهاية عدة الإحصاء وبعدها
لقد فصل النبي محمد صلي الله عليه وسلم ذلك في حديث السلسلة الذهبية من طريق مالك عن نافع عن بن عمر مرفوعا ولفظه في صحيح البخاري ووافقه علي مسلم بن الحجاج تفصيلا وتوضيحا كما جاءت به آيات سورة الطلاق مما ذكرنا من تفصيلات أحكامها وتفصيلات أحكامه صلي الله عليه وسلم وختم روايته بقول النبي صلي الله عليه وسلم [فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء] مما يُطِيِحُ بآراء كل الذين يقولون ]يطلق لطهرها] بل قال الله تعالي ورسوله [فطلقوهن لعدتهن] وأتساءل المدون أين ومتي قال الله تعالي فطلقوهن لطهرهن؟؟؟؟؟؟؟!!!!! وهو الذي قال ورسوله [فطلقوهن لعدتهن] كالآتي
لقد فصل النبي محمد صلي الله عليه وسلم ذلك في حديث السلسلة الذهبية من طريق مالك عن نافع عن بن عمر مرفوعا ولفظه في صحيح البخاري ووافقه علي مسلم بن الحجاج تفصيلا وتوضيحا كما جاءت به آيات سورة الطلاق مما ذكرنا من تفصيلات أحكامها وتفصيلات أحكامه صلي الله عليه وسلم وختم روايته بقول النبي صلي الله عليه وسلم [فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء] مما يُطِيِحُ بآراء كل الذين يقولون ]يطلق لطهرها] بل قال الله تعالي ورسوله [فطلقوهن لعدتهن] وأتساءل المدون أين ومتي قال الله تعالي فطلقوهن لطهرهن؟؟؟؟؟؟؟!!!!! وهو الذي قال ورسوله [فطلقوهن لعدتهن] كالآتي :
*حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء
وفي
سورة الطلاق المنزلة هـ5 او6/7 للهجرة ]يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
[ قلت المدون ولم يقل [فطلقوهن لطهرهن{
ثم يقول رب العزة:
{وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ}
/لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ(
/ وَلَا يَخْرُجْنَ} إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
/ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ
نَفْسَهُ(
/ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (1(
ونهاية
عدة الحامل = هي وضع الحمل بسقط أو ولادة لقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن
يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} [الطلاق:4[
وللزوج في عدة الإحصاء أن يفعل بها كما يفعل الأزواج خلا المواطئة فإن واطئها فقد
هدم كل اجراءات العدة وعليه أن يعتد من جديد إن بقي علي عزمه وعاند في رغبته في أن
يطلق 🔔فإن
تخلِّي عن عزمه للطلاق ولم يُطلق في نهاية العدة فهي مازالت زوجته فعليه أن
يمسكها وأقول للزوج المعتد مع زوجته في بيت واحد ومضجع واحد وخلوة شرعها
الله تعالي لكونهما زوجين أقول: فإن غُلِبْتَ علي أمرك وواطئْتها فقد هدمت كل
إجراءات الطلاق وعليك أن تُعيدها من أولها فإن عجزت علي أن تمنع نفسك من زوجتك
طيلة ساعات وأيام وأسابيع وأشهر العدة حتي تصل الي نهايتها فلن تصل إذن أبدا إلي
لحظة تفعيل لفظ الطلاق المحرز هناك في دُبُرِ العدة وبعد نهايتها
س43./ ما ترجمة محمد بن عبد الرحمن مولي طلحة
ج43./ محمد بن عبد الرحمن بن عبيد القرشي التيمي مولى آل طلحة كوفي هو المنفرد بحديث طلاق الحامل في حملها برغم الطعن في حفظه وضبطه
* بخ م 4 البخاري في الأدب المفرد ومسلم والأربعة
قلت المدون هذه الترجمة في كتاب التهذيب لابن حجر العسقلاني الحافظ حرف الميم باب من اسمه محمد على ترتيب الحروف في الآباء
روى عن السائب بن يزيد وعيسى وموسى ابني طلحة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسالم بن عبد الله بن عمر وكريب مولى بن عباس وسليمان بن يسار والزهري وعكرمة وعلي بن ربيعة الوالبي وعدة
روى عنه شعبة ومسعر والثوري وشريك والحسن بن عمارة والمسعودي وإسرائيل وسعد بن الصلت قاضي شيراز وسفيان بن عيينة وغيرهم
قال البخاري قال لنا علي عن بن عيينة كان أعلم من عندنا بالعربية قلت المدون لقد أعرض البخاري عنه فلم يجعله من الرجال الموصوفين عنده لرواية جامعه الصحيح المسند لريبته في حفظه وضبطه وما قاله البخاري هو قدح في حفظ وضبط الراوي محمد بن عبد الرحمن فأعرض عنه بطريقة لائقة بأن مدحه في غير مجال الرواية وهو اسلوب أدبي جَمّْ لعدم إذا رفض راوٍ لرواية حديثه وكذلك لم يوثقه في رواياتة للحديث هذا فقال عنه قال لنا علي عن بن عيينة: كان أعلم من عندنا بالعربية قلت المدون وهي صياغة مؤدبة جدا للغمز في ضبطه وليس في عدالته وأكد ذلك بإعراضه عن تسجيله التاريخي ضمن رجال الجامع الصحيح المسند
قلت المدون وحديث أمثاله لا يناطح أحاديث الثقات ولا يقوي علي معارضتهم مثل مالك عن نافع والي آخره..
قلت
المدون وقال أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود صالح الحديث [قلت المدون وهذه صياغة للطعن في ضبطه وليس في
عدالته] وقال النسائي ليس به بأس
[قلت المدون وهذه صياغة تنحط به عن مرتبة الضابطين
الأعدل منه
]وكذلك ما نقل عن عباس الدوري وغيره عن بن معين
ليس به بأس قلت المدون: وليس الكلام علي العدالة هنا إنما مجال النقد في
الضبط والحفظ وكلام النسائي قي ضبطه يحط من حفظه ويثبت أخلاطه في الرواية برغم
عدالته وقال أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود صالح الحديث وقال النسائي ليس به بأس وذكره
بن حبان في الثقات قلت وقال الترمذي وأبو علي الطوسي ويعقوب بن سفيان ثقة- لذلك
فروايته لحديث الطلاق في الحمل شاذ جدا يصل الي حد النكارة
محمد
بن عبد الرحمن مولي طلحة 288. يحي بن معين ليس
به بأس
انظر
:/الجرح والتعديل 3-2-318//تهذيب التهذيب 9-300-- وحمل
كتاب تاريخ ابن معين (
رواية الدوري + رواية الدارمي ) دار المأمون للتراث محمد بن عبد الرحمن مولي
طلحة رقم88***
_________________
س44. / ما الحكمة المستشعرة بعد تبديل أحكام الطلاق في سورة الطلاق(5هجري)وتأجيل الطلاق إلي ما بعد انقضاء العدة
ج44./ ………………
1.إن الإمساك هو الشح بالعطاء والشح في الإنفاق
.2 وهو هنا يعني شُحَّ الرجل أن يعطي زوجته إلي غيره من الخطاب إذا أرسلها بالطلاق أو بالتفريق
.3 وهو دليل علي تملك الممسك لما يُمسكه واستحواذه عليه
.4وهو دليل هنا علي عدم تغير حال رباط الزوجية بإجراءات الإحصاء والعدة في سورة الطلاق
.5لأن الطلاق وقت الله تعالي له أن يكون في دُبُرِ العدة وخلف جدارها المنيع
س45/ . ما الفرق الفرق بين التسريح والتفريق
ج45/ التسريح هو درجة أكبر لتفريق المتفرقين
أما التفريق فهو أول درجة لتفريق الحبيبين أو تفريق الزوجين
س46. / هل هناك معني آخريقرب المفهوم
ج46. / قلت المدون : الفراق ضد السراح
وهو مختلف عنه،وقولنا فرق الخصام بين الرجلين أي فصل وباعد بينهما بعد ان كانا اصحاب ،وسرحه أي فارقه نهائيا بعد أن فارقه ابتداءاً،
( يعني فارق ما بقي من أثرهما بعد تفريقهما أصلاً)، وهو هنا مفارقة المرأة لعدتها التي كانت حائلا بينها وبين زوجها أصلاً
السراح هو الخصام الاخير بعد الخصام والفراق الأولي
الفراق هو الخصام والفراق بعد المودة والزوجية
........................
س47./ يعني أفهم أنه اي التسريح فراق بعد فراق فالسراح إذن هو الفراق الاخير بعد الفراق الاول بالتلفظ بالطلاق
ج47 / أما الفراق فهو من خصائص سورة الطلاق5هـ ويميز جدا تحول العدة للصدر وتحول الطلاق للدبر لتكون المرأة زوجة في العدة ليفجعها الفراق بعد العدة وبعد رفض زوجها امساكها
11111111111*111111
س48./ هل لذلك دلالة معينة ؟ طلاق بعد طلاق ؟
ج48/ نعم وهذا يدل علي أن المرأة المُسَرَّحة قد سبق لها الخروج1 من بيتها بعد تلفظ زوجها بالطلاق2. ثم أخرجت بالغداة إلي منزل أهلها بعد استيفاء عدة استبرائها ،
..............*.....................
س49./ هل يجوز أن نقول للمعتدة احصاءا مُسَرَّحة ؟
ج49./ لا فلا يقال للخارجة من بيتها بيت زوجها مُسرَّحة انما نقول مطلقة مفارقة حسب سورة الطلاق إنما تُسرح التي خرجت من بيتها اولا حسب سورة البقرة2هـ قبل نسخ احكامها في الطلاق كما قدمنا
................
ولفظة(سرحوهن بمعروف) هي من خصائص سورة البقرة 2هـ ،وهي دليل قاطع علي أن المرأة في نفسها، المنقضية عدتها بناءاً علي أحكام سورة البقرة(2هجري) لم يكن يمنعها من التسريح غير الاعتداد استبراءاً للرحم، ومعني هذا أنها قد فورقت من قبل العدة أي أُخرِجت من بيتها من قبل العدة ثم سُرِحَت تلقائيا عند انتهاء العدة،
.....................
س50./ ما معني س ر ح .
ج50./ إن مادة(س_ر_ح) تدل علي (الفراق بعد الفراق)،أي التحرك الحر ابتعاداً(الإرسال) بعد الخروج من قيدٍ،
.......................
فروي مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال ابن عمر إذا وضعت حملها فقد حلت فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن الخطاب قال لو ولدت وزوجها على سريره لم يدفن لحلت
3.وبه عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي في مسكن حفصة وكانت طريقه إلى المسجد فكان يسلك الطريق الآخر من أدبار البيوت كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها
*فالمرأة في عدتها حين سريان أحكام سورة البقرة(2هجري) كانت قد فرض عليها أن تخرج من بيت الزوجية بعد إلقاء لفظة الطلاق عليها اضغط رابط !!! سلسلة الذهب،لكنها عُقِلَت في بيت أبيها ثلاثة قروء لاستبراء رحمها، فبانقضاء أقرائها فهي مُسَرَّحة يعني تسير بلا قيد عليه من قيود الزوجية حتي قيد العدة قد انفكت منه،لذلك يقول تعالي في سورة البقرة(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)،بينما سنري في أحكام سورة الطلاق المنزلة في العام الخامس الهجري أن القرآن قد استخدم لفظة(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)،والفراق معروف أنه الخروج للتو من اللقاء، والإجتماع، ومن الحياة المشتركة التي سبقت الفراق الذي وقع بين الفرقاء)،وليس في هذه الآية أي تطبيق أو تشريع لمدلول التسريح، إذ الفراق ضد السراح وهو مختلف عنه،وقولنا فرق الشيء بين الرجلين أي فصل،وباعد بينهما ،لكن السراح هو الفراق بعد الفراق،
.............................
س51./ اذن ما الخلاصةً
ج51./ أقول : [ أن التسريح هو تفريق بعد تفريق
لكن التفريق هو تفريق بعد توثيق]،
=====================/===
س52./ ما معني قوله تعالي(وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ )
ج52./ قلت المدون صارت المرأة في سورة الطلاق5هـ زوجة وكل الزوجات من حقهن النفقة والسكني والمعروف في معاملتهن واي مكائد تنشأ بسبب الزوج محرمة بنص الاية
جاء في لسان العرب قول ابن منظور :
وقيل الضَّرَر ما تَضُرّ بِه صاحبك وتنتفع أَنت به
والضِّرار أَن تَضُره من غير أَن تنتفع
والمضارة اسم مبالغة من الضرار وهو أن تضرها ولا تنتفع أنت مما أحدثته من الضرار وهو يدل علي العناد والنكاية والتجأر تجبرا للغيظ ولأجل التضييق عليهن وهذا كله قد حرمه الله تعالي ونهي عنه وقد ذهب بعض المفسرين الي تقسيم المضارة من الأزواج فقال مجاهد: في المسكن. وقال مقاتل: في النفقة؛ وهو قول أبي حنيفة./ وقلت المدون وفي المعاملة بالمعروف
س53./ فماذا تقول للحائرين الملتاعين الذين أحرقتهم نيران الفراق وألهبتهم لوعات الطلاق ولم ترحمهم اختلافات الفقهاء...
ج53./ أقول لهم هلموا إلي رحمة الله وعفوه هلموا إلي سورة الطلاق5هـ فقد أنزل الله فيها تبديل قسوة الطلاق الماضية سابقا والتي صنعها البشر بتصرفاتهم وتهوراتهم كما جاء وصفه في سورة البقرة2هـ بما امتن الله بها علي عبادة في سورة الطلاق 5هــ.
س54./ هل يعتبر الطلاق حسب سورة البقرة اليوم صحيحا ويعتد به ويحتسب وتترتب عليه حقوق
ج54. / لا .. الا للذي لم يُبَدِّله الباري سبحانه
.........................
س / لماذا ؟
ج / أحكام طلاق سورة البقرة2هـ تم تبديله من عند الله الباري بأحكام طلاق سورة الطلاق 5هـ وانتهي جُلُّ تشريع الطلاق بسورة البقرة 2هــ الا ما لم يتم تبديلة فهو باقٍ علي حاله لكن في الإطار العام لترتيب أحداث طلاق سورة الطلاق5ه يعني بقي علي حاله لكن تقدمت العدة علي التلفظ بالطلاق وحرز التلفظ خلف العدة وبقي الرسم الننسوخ كما هو لم بمحه الله الباري من المصحف لحكمة يعلمها الله نتوسم منها ابتلاء من في قلوبهم زيغ أو قلة يقينهم بربهم وأصحاب المراء والمجدلين في الحق
س / هل العدة في السورتين مختلفة
ج / نعم ففي سورة البقرة2هـ كانت العدة عدة استبراء لسبق وقوع التلفظ والتطليق باللفظ اما في سورة الطلاق صارت العدة {عدة احصاء} حائلا بين التلفظ والطلاق لتأجيل التلفظ لما بعد نهايتها وحيلولة العدة بين التلفظ وبين التفريق
س / افهم من ذلك أن سورة الطلاق جعلت العدة لحساب الزوجين بدلا من حسابها عليهم
ج نعم فمشروع التطليق بدأ شروعا وتأهبا بينهما لكن تحقيقه لن يكون الا بعد انقضاء العدة
س/ ماذا تقصد بالشروع والتحقيق وهل يوجد فرق بين الشروع والتحقيق؟
ج/ الشروع هو مجرد التأهب لخطوة التحقيق
س/ مماذا اتبين الفرق بين الشروع والتحقيق
ج/ الشروع هو في الايات من سورة الطلاق يدل عليه أسلوب الشرط غير الجازم {إذا طلقتم فطلقوا } معناه إذا أردتم التطليق {شروع}
فطلقوهن {تحقيق} يعني فحققوا ما قد شرعتم فيه بالتنفيذ والتفريق بعد العدة وانقضائها
س/ أفهم من ذلك أن الشروع في التطليق يكون في أول العدة وتحقيقه يكون بعد انقضاء العدة
ج/ نعم والعدد التي فرضها الله تعالي هي
1.عدة اللائي يحضن وقدرها ثلاثة قروء ومشروعيتها جاءت من تمدد فرضها من سورة البقره2هـ وظلت علي حالها لم تتغير ثلاثة قروء والقرء حيضة وطهر
2.عدة اللائي لم يحضن وهن
أ} اليائسات من المحيض
ب}والصغيرات اللائي لم يحضن
ج}وبعض من يرضعن أولادهن
3.وعدة أولات الأحمال وأجلهن هو نهاية الحمل بوضعهن حملهن بسقط أو ولادة –عند هذا الوضع يكون طلاق الزوجة-
س/هل كانت هذه العدد في سورة البقرة ؟
ج/لا لم يكن موجودٌ الا عدة اللائي يحضن فقط وانتقلت مشروعيتها الي سورة الطلاق بالتمدد وعُبِّرَ عن ذلك بحرف العطف { و }
س/ هل بهذا التشريع لسورة الطلاق يعتبر تمام تشريعات الطلاق قد أحكمه الله
ج/ نعم وقد ارتضاه الله لنا دينا وقانونا نسير عليه والي يوم القيامة ودليل ذلك أن انقطعت تنزيلات أحكام الطلاق بتاتا بعد تنزيل سورة الطلاق5هـ
س/ يعني هل يمكنني أن أقول أن محتوي سورة الطلاق5هـ قد نسخ محتوي تشريع أحكام الطلاق بسورة البقرة2هـ وما نوع النسخ؟
ج/ نعم ونوع النسخ هو نسخ البدل .
س/ هل أشار القران الي هذا النوع من نسخ البدل
ج/ قال الله تعالي {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) /سورة النحل}
و قوله تعالي {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)/سورة البقرة}
س / هل يمكن تلخيص تشريع سورة الطلاق ومقارنة بسيطة بينه وبين تشريع سورة البقرة
ج/ تشريع سورة الطلاق هو تشريع الإحكام واليقين والكمال والتمام وارتضاه الله لنا من دين الاسلام ولا تشريع بعده الي يوم القيامة ونهاية الخلافات في أحكام الطلاق
س/ هل وصفه الله تعالي بأوصاف الحدود او فرض هيمنته إلي يوم الدين
ج/ نعم فقال تعالي
= واتقوا الله ربكم
= وتلك حدود الله
= ومن يتعدي حدود الله فقد ظلم نفسه
= لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
= وأشهدوا ذوي عدل منكم
= وأقيموا الشهادة لله
= ذلك أمر الله أنزله إليكم
= ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
= وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
= وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
= إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ق
=َ قد جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
س / ماهو التكليف المحدد إذن
ج/ هو أمر الله للنبي والمؤمنين أن إذا أراد أحدهم الشروع في تطليق زوجته أن 1. يحصي لذلك عدة قدرها ثلاثة قروء او ثلاثة أشهر قمرية أو ما بقي من مدة الحمل حتي تضع الحامل حملها ثم بانقضاء الأجل او العدة يحين وقت التطليق الحقيقي
س/ هل عليه أن يطلق اذا حان الأجل وماذا لو راجع نفسه فأراد أن لا يطلق؟
ج/ لقد تجلت رحمة الله بشكل أذهل العقول إذ مقتضي العدل أن من احصي العدة وحان الأجل أن يُلْزَم بفعله ويطلق ولكن الله الرحيم اللطيف الخبير بأحوال عباده أعطي الزوج فرصة قبل انفراط العقد وتدمير البيت وتشتيت الاولاد والزوجة فللمرة الاخيرة خيَّر الزوج في الامساك ورفع عنه الملامة والجناح لعله يفيق ويتراجع ويمسك زوجته ولا يطلقها فإن أبي الا الطلاق فليشهد ذوي عدل من المسلمين ويطلق ولا يلومن الا نفسه بعد هذا التسامح الالهي معه فالله تعالي أمهلهما مدة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر أو طول ما بقي من زمن الحمل ثم هو سبحانه يخيره قبل انطلاق سهم الطلاق فيمُنُّ عليه بالتخيير في الإمساك فإن ابي فبالطلاق والاشهاد
س / ما حكم الرجل يطلق زوجتة اليوم بالتلفظ بالطلاق
ج / انقضي زمن التلفظ بالطلاق في صدر العدة بنزول سورة الطلاق بحيث يبطل التلفظ بالطلاق الا بعد قضاء مدة بمنزل الزوجية قدرها ثلاثة قروء للاتي يحضن وثلاثة أشهر قمرية للائي يئسن من المحيض واللائي لا يحضن مثل الصغيرات والمرضعات اللائي يغيب عنهن الحيض بسبب الرضاعة وأولات الأحمال حتي نهاية حملهن بالوضع أو بالسقط
س / ما الدليل القطعي علي ذلك من القران وسنة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم
ج / الدليل من القران هو الايات المنزلة بسورة الطلاق عام الخامس الهجري 5هـ
س / اذكر هذا الدليل القراني
ج / قال تعالي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) /سورة الطلاق }
س / فما الدليل من السنة الصحيحة ولا يعارضة دليل واه
ج / حديث عبد الله بن عمر برواية السلسلة الذهبية مالك عن نافع عن بن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم
/ حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء [ ص: 258 ] / صحيح البخاري}
س / ما الحجة في الاية والحديث ؟
ج / الحجة في الاية
قوله تعالي [[[ إذا طلقتم .... فطلقوهن لـــ. عدتهن ... وأحصوا العدة ... لا تخرجوهن من بيوتهن .. ولا يخرجن ... وتلك حدود الله ...... فإذا بلغن أجلهن ...فأمسكوهن ... أو فارقوهن... [موضع الطلاق هنا بعد ان ان يبلغن أجلهن وهو تلك اللحظة المرتقبة بعد بلوغ الأجل ]
س / وما الحجة في كل ذلك ؟
ج / الحجة تكمن في كل لفظ جاء القران به في هذه الايات
س / كيف ؟
ج / {{{ إذا طلقتم .... فطلقوهن ....]]] هو اسلوب شرط غير جازم يفيد تحقيق الشروع في الطلاق لمن يريد الطلاق فيما يُسْتَقْبلُ من الزمان الذي حددته الاية {{ فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن أو {{ فارقوهن}} أو يفيد تحقق الفراق في زمان جواب الشرط المسبق ذكره في فعل الشرط بلام الأجل لــ يعني بمعني [ بعد]
2. لـــ . عدتهن وهي لام بمعني بعد عدتهن وانقضائها{كل لام تأتي مثل هذه اللام تفيد حتما معني بعد وهي تدخل علي الأسماء في مسار زمان مذكور في السياق
/ مثل قوله تعالي وواعدنا موسي { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِـــ. ..مِيقَاتِنَا {يعني بعد نهاية ميقاتنا المحدد له} وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) /سورة الأعراف}}
3. وأحصوا العدة والإحصاء هو العد لنهاية محددة أما العد فلا يطلق علي ما لا نهاية محددة لمعدوده..انما يُطلق علي المعدود بدون نهاية محددة .
/ والإحصاء اقطع دليل يفيد تأجيل وقوع الفراق[ الطلاق] لنهاية المعدود[ العدة وتسمي عِدة الإحصاء]
4.إذا طلقتم .... فطلقوهن .... لــــ عدتهن وأحصوا العدة ...
5. ودليل اباحة الخلوة بين الزوجين بلفظ {{ لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن }} هي أقطع دليل علي تأجيل الطلاق لما بعد العدة تلك الآية أية جواز الخلوة بين الزوجين بدرجة الالتصاق والتحضين في البيت بينهما الا الجماع فهو من لزمات الاعداد للتفريق آخر العدة بحيث لو جامع الزوج زوجته تنهار اجراءات الاحصاء وعليهما ان أرادا استئناف لحالة الطلاق أن يبدءا العد من الأول {لا تخرجوهن من بيوتهن .... ولا يخرجن} الا في حالة يستوي فيها كل النساء سواءا المنذرة بالطلاق او الغافلة في بيتها كزوجة وهي حالة اتيان الفاحشة اي الزنا وثبوتها .
6. وتلك حدود الله حيث صار هذا الشكل من الطلاق لــ بعد العدة حدا من حدود الله بنص الآية لا يمكن للمؤمنين تعديها
. 1. لارتباطها بقدر الله في تشريع ما لا ندريه والله يدريه
. 2. . ولأمرة سبحانه بها حدا من حدوده
7. فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن... والإمساك ضد الإرسال لقول الله تعالي { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) /سورة فاطر} والمعني الابقاء علي الزوجة التي اتمت الاحصاء زوجة كما هي إن اراد زوجها ان لا يطلقها فما زال الوقت يسمح بالإبقا عليها زوجة كما هي لأن الله تعالي قد رَحَّل وأجَّل التطليق لدبر العدة
أو فارقوهن...
8.
دليل الآية [ لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن] هو اجازة للخلوة بين الزوجين لا لشيئ غير أنهما لم يزالا زوجين علي الميثاق والعهد أثناء عدة الإحصاء لأن الله تعالي رحل وأجل الطلاق لما بعد العدة {عدة الإحصاء }
9. وتلك حدود الله صار هذا التشريع حدا من حدود الله لا يمكن تعديه أو تجاوزه أو تخطيه يعني صار الطلاق في سورة الطلاق 5 هـ الذي هو عدة ثم الإمساك أو التفريق حسب ارادة الزوج حدا من حدود الله
1- . فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن ... أو فارقوهن ...
وقلنا أن الإمساك دليل قاطع في ذاته لعدم وقوع الفراق حتي تاريخه أي حتي انتهاء العدة وتخير الزوج في نهاية هذه العدة فيما إن ظل عازما علي الطلاق{التفريق} أو ينتكس ويتراجع عنه {يعني يختار الامساك} وليس له خيار ثالث فإما التراجع وإما الطلاق في نهاية العدة .
س / هل إذا اختار التراجع يعني الإمساك يكون مستهزئا متلاعبا بأيات الله ؟
ج / لا قطعا .. فهذا التشريع بهذا التسامح والتجاوز الإلهي هو الذي شرعه الله ولا ملامة علي شرع الله وهو المعني الذي قصده الباري جل وعلا في قوله { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) /الطلاق}
ما هو الدليل من السنة المطهرة ؟
حديث مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا
[[[حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء [ ص: 258 ] /صحيحي البخاري ومسلم بنفس السياق واللفظ تقريبا]]]
/ وقد اخترنا رواية مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ... لأنها رواية السلسلة الذهبية بفم البخاري وابن حجر ... وهما قمم في الحفظ والنقد والضبط والاتقان .... خاصة في ابن عمر ... ولا إلتفات لم قال بخلاف ذلك
/ فهي الرواية العمدة والمقياس التي تُضْبَطُُ عليها كل روايات عبد الله ابن عمر و
/ مالك لا يعلوه ولا يكافئه في كل أمر الحديث أحد إن في الحفظ أو الضبط أو الاتقان
/ فضلا عن دخول الروايات الأخري عن عبد الله بن عمر كثير من علل المتن والإسناد ... والرواية بالمعني والتصور والإجمال و الإختصار والفهم الشخصي كعلة حديث محمد بن عبد الرحمن مولي طلحة في روايته لحديث الطلاق في الحمل ... ولم يتابع عليه من أي راوٍ في أي طريق أو شاهد
/ بل ومخالف لتشريع القران الكريم في منصوص العِدَدْ وميقات التطليق .
/ والعلة فيه جاءت من توهمه أن الطلاق لا يكون إلا في الطهر والحامل في تصورة طاهر إذن يحل في تصوره طلاقها فرواه من خيال نفسه وهما ومخالفة للأثبات الضابطين عنه وشذ شذوذا عظيما بروايته
/ كما أنها أي رواية مالك عن نافع عن بن عمر موافقة لنص القران في كل شيئ في تأجيل الطلاق للدبر وفي مسارات العدد وفي توقيت التطليق لبعد العدة وهكذا
وفي العدد قال النبي صلي الله عليه وسلم {{ مره فليراجعها حتي تطهر ثم تحيض ثم تطهر { هذان قَرآن كل قَرْء منهما حيضة وطهر } والقرء الثالث عبر عنه النبي الذي أوتي جوامع الكلم وأخُتصرت له الحكمة اختصارا بظرفي الزمان ان يمسك الزوج بعد أو يطلق قبل أن يمس فكل ظرف زماني منهما قد حدد القرء الثالث فقوله فإن شاء أمسك بعد حد دت الحيضة الثالثة وان شاء طلق قبل أن يمس حددت الطهر الثالث لأن المس يعني الجماع وهو حتي لحظة الطهر الثالث مسموح له ان يمسك زوجته كأحد الخيارين المعطاة للزوج في آخر العدة إما الإمساك وآخر زمانة دخول الحيضة الثالثة بمثابة الإشعار لناقوس الخطر وتقلص وقت التصرف بالإمساك وإما التطليق ولا ثالث هذا ما جاء به حديث مالك عن نافع عن ابن عمر عمدة أحاديث الطلاق لابن عمر
س /هل تَبَدَلَ شكل التكليف حينما يريد المسلم أن يطلق امرأته بين سورة البقرة 2هــ وسورة الطلاق5هــ ؟
ج / نعم تبدل الشكل والمضمون ففي سورة البقرة2هــ كان الشكل أن يقع الطلاق ثم يترتب عليه المضمون حيث كان الشكل في سورة البقرة ان يحدث الطلاق ثم تعتد المرأة [عدة الإستبراء] ويترتب عليه التبعات المتضمنة في سورة البقرة2هـ فتبدل هذا هذا الشكل وبناءا عليه تبدل مضمونه حين نزول سورة الطلاق 5هــ إلي فرض حدوث العدة أولا [عدة الإحصاء] ثم إيقاع الطلاق لمن أعرض عن الإمساك
س 1. هل هناك تنزيلان لتشريع الطلاق وبأي تشريع نلتزم ؟؟ ولماذا يفعل الباري جل وعلا ذلك واعلم ان الله لا يسأل عن شيئ وهم يسألون
ج 1 /نعم لا يسأل عن شيئ وهم يُسألون سبحانه وتعالي جلت قدرته وما نحن الا منحصرين في فلك الله وفلك شريعته لأنه هو القائل سبحانه {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)/سورة البقرة}
وهو جل شأنه القائل {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) / سورة النحل}
ومن هنا علمنا أن الله تعالي له مطلق الإرادة في أن ينزل ما يشاء ويُبدِّل ما يريد في مسار تشريعاته المنزلة لكننا خبرنا أنه سبحانه ينزل القران محتويا شرعة ليطابق تنزيله طاقات البشر [في كل مرحلة من مراحل التشريع حين كان ينزل التشريع] ويتدرج معهم في التكليفات الإلهية حتي يسمو بهم إلي اليقين والإحكام التكليفي الذي سيبقي والي يوم القيامة { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) /سورة ال عمران}
أما قوله تعالي ولا مبد ل لكلماته في الاية [ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)/سورة الأنعام – في السنن التي ختم الله عليها في كل أمره سبحانه فيما عدي التشريع فإنه سيأخذ شكل الثبات الأبدي بعد استكماله بوضع التنجيم بنزول الوحي علي النبي [صلي الله عليه وسلم] فإذا اكتمل وعلامته أن يقرر الباري أنه اكتمل فحينها يتأهل النبي [صلي الله عليه وسلم] للمغادرة ليخير فيختار الرفيق الأعلي وينقطع الوحي ويختم علي التشريع بالكمال والتمام والرضا ومن ساعتها فقضي الله أن لا مُبدل لكلماته ويختم علي التشريع بالثبات وامتناع التدخل فيه تغييرا او تبديلا او تحريفا ومن يفعل ذلك من المجرمين فهو كالواهم في السراب بأنه ماء
إستئناف الفتاوي ////وَأَمَّا كُلُّ عَمَلٍ يَعْلَمُ الْمُسْلِمُ
أَنَّهُ بِدْعَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا ؛ فَإِنَّ الْعَالِمَ بِذَلِكَ لَا يُجَوِّزُ
الْوَقْفَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَشْرُطُ بَعْضُهُمْ
بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ الشَّرِيعَةَ أَوْ مَنْ هُوَ
يُقَلِّدُ فِي ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا
بَاطِلٌ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : رُدُّوا الْجَهَالَاتِ إلَى السُّنَّةِ
. وَلِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا
فَهُوَ رَدٌّ } . وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ
الْعَادِلِ إذَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا لَمْ يَعْلَمْهُ فَهُوَ مَنْقُوضٌ
فَكَيْفَ بِتَصَرُّفِ مَنْ لَيْسَ يَعْلَمُ هَذَا الْبَابَ مِنْ وَاقِفٍ لَا
يَعْلَمُ حُكْمَ الشَّرِيعَةِ ؛ وَمَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ لَهُ مِنْ وُكَلَائِهِ .
وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ بِصُورَةِ ذَلِكَ وَلُزُومِهِ فَغَايَتُهُ
أَنْ يَكُونَ عَالِمًا عَادِلًا فَلَا : يُنَفِّذُ مَا خَالَفَ فِيهِ نَصًّا أَوْ
إجْمَاعًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَالشُّرُوطُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْأَمْرِ
بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَالنَّهْيِ عَنْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مُخَالَفَةٌ
لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ
فَإِنَّ طَاعَتَهُ فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ
} .
فَهَذِهِ
الْقَوَاعِدُ هِيَ الْكَلِمَاتُ الْجَامِعَةُ ؛ وَالْأُصُولُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي
تَنْبَنِي عَلَيْهَا هَذِهِ الْمَسَائِلُ ؛ وَنَحْوُهَا . وَقَدْ ذَكَرْنَا
مِنْهَا نُكَتًا جَامِعَةً بِحَسَبِ مَا تَحْتَمِلُهُ الْوَرَقَةُ يَعْرِفُهَا
الْمُتَدَرِّبُ فِي فِقْهِ الدِّينِ . وَبَعْدَ هَذَا يُنْظَرُ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطِ
الْحُكْمِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَغَيْرِهَا بِنَظَرِهِ . فَمَا تَبَيَّنَ
أَنَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أُلْغِيَ ؛ وَمَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ شَرْطٌ
مُوَافِقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَمِلَ بِهِ ؛ وَمَا اشْتَبَهَ أَمْرُهُ أَوْ كَانَ
فِيهِ نِزَاعٌ فَلَهُ حُكْمُ نَظَائِرِهِ . وَمِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ الْبَاطِلَةِ
مَا يَحْتَاجُ تَغْيِيرُهُ إلَى هِمَّةٍ قَوِيَّةٍ ؛ وَقُدْرَةٍ نَافِذَةٍ .
وَيُؤَيِّدُهَا اللَّهُ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ . وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ قِيَامِ
الشَّخْصِ فِي هَوَى نَفْسِهِ لِجَلْبِ دُنْيَا أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ
دُنْيَوِيَّةٍ إذَا أَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ
عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يَكَادُ يَنْجَحُ سَعْيُهُ . وَإِنْ كَانَ مُتَظَلِّمًا
طَالِبًا مَنْ يُعِينُهُ فَإِنْ أَعَانَهُ اللَّهُ بِمَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ
أَوْ بِمَا يُقَدِّرُهُ لَهُ مِنْ جِهَةٍ تُعِينُهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ . وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا
بِاَللَّهِ .
وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُونَ فَرْضُ تَمَامِ الْوُجُودِ
. وَاَللَّهُ يُسَهِّلُ لَهُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى
خَيْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . فَمِمَّا لَا
نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَبِيتَ الشَّخْصِ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ
دَائِمًا لَيْسَ قُرْبَةً وَلَا طَاعَةً بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَلَا يَكُونُ
ذَلِكَ إلَّا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إذَا كَانَ فِي التَّعْيِينِ مَصْلَحَةٌ
شَرْعِيَّةٌ : مِثْلُ الْمَبِيتِ فِي لَيَالِي مِنًى ؛ وَمِثْلَ
مَبِيتِ الْإِنْسَانِ فِي الثَّغْرِ لِلرِّبَاطِ . أَوْ مَبِيتِهِ فِي الْحَرَسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . أَوْ عِنْدَ عَالِمٍ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ يَنْتَفِعُ بِهِ . وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَأَمَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرَابِطَ دَائِمًا بِبُقْعَةِ بِاللَّيْلِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ الدِّينِ . بَلْ لَوْ كَانَ الْمَبِيتُ عَارِضًا وَكَانَ يَشْرَعُ فِيهَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَيْضًا مِنْ الدِّينِ . وَمَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَوَقَفَ عَلَيْهِ الْمَالَ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَلَا رَيْبَ فِي بُطْلَانِ مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ وَسُقُوطِهِ . بَلْ تَعْيِينُ مَكَانٍ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ إهْدَائِهِ غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ لَيْسَ أَيْضًا مَشْرُوعًا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . حَتَّى لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَقْرَأَ أَوْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ . وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ ؛ لَكِنْ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِفَوَاتِ التَّعْيِينِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ . وَالْعُلَمَاءُ لَهُمْ فِي وُصُولِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ : كَالْقِرَاءَةِ ؛ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ إلَى الْمَيِّتِ قَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَصِلُ ؛ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالتَّفَاضُلِ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ . وَلَا قَالَ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ : إنَّ الصَّلَاةَ أَوْ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ أَفْضَلُ مِنْهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ؛ بَلْ الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَتِهَا فَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ . وَمَالِكٌ وَالْإِمَامِ أَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ . وَطَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ . وَرَخَّصَ فِيهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى
مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد وَلَيْسَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نَصٌّ نَعْرِفُهُ . وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ : إنَّ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ أَفْضَلُ . وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ عِنْدَ الْقَبْرِ يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ بِسَمَاعِهَا دُونَ مَا إذَا بَعُدَ الْقَارِئُ : فَقَوْلُهُ هَذَا بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ مُخَالِفَةٌ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ . وَالْمَيِّتُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَنْتَفِعُ بِأَعْمَالِ يَعْمَلُهَا هُوَ بَعْدُ بَاطِلَةٌ : لَا مِنْ اسْتِمَاعٍ وَلَا قِرَاءَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِآثَارِ مَا عَمِلَهُ فِي حَيَاتِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ } . وَيُنْتَفَعُ أَيْضًا بِمَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ : كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ ؛ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِمْ . وَإِلْزَامُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَعْمَلُوا وَلَا يَتَصَدَّقُوا إلَّا فِي بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِثْلَ كَنَائِسِ النَّصَارَى بَاطِلٌ . وَبِكُلِّ حَالٍ فَالِاسْتِخْلَافُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَة جَائِزٌ وَكَوْنُهَا عَنْ الْوَاقِفِ إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلَ الْمُسْتَنِيبِ فَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَة فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ
التَّعْيِينَ
فِيهِ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ . فَشَرْطٌ بَاطِلٌ . وَمَتَى نَقَصُوا مِنْ الْمَشْرُوطِ
لَهُمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُنْقِصُوا مِنْ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ
ذَلِكَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
.
وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
قَاعِدَةٌ فِيمَا يَشْتَرِطُ النَّاسُ فِي الْوَقْفِ : (*)
فَإِنَّ فِيهَا مَا فِيهِ عِوَضٌ دُنْيَوِيٌّ
وَأُخْرَوِيٌّ ؛ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا تَشْدِيدٌ عَلَى
الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ . فَنَقُولُ
: الْأَعْمَالُ الْمَشْرُوطَة فِي الْوَقْفِ عَلَى
الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مِثْلَ الْوَقْفِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ
وَالْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ بِالْعِبَادَاتِ أَوْ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ
:
أَحَدُهَا عَمَلٌ يَقْتَرِبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى
وَهُوَ الْوَاجِبَاتُ والمستحبات الَّتِي رَغِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَحَضَّ عَلَى تَحْصِيلِهَا : فَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ
يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيَقِفُ اسْتِحْقَاقُ الْوَقْفِ عَلَى حُصُولِهِ فِي
الْجُمْلَةِ . وَالثَّانِي عَمَلٌ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْهُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ نَهْيَ تَنْزِيهٍ فَاشْتِرَاطُ مِثْلِ
هَذَا الْعَمَلِ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ؛ لِمَا قَدْ اسْتَفَاضَ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِهِ
فَقَالَ :
{ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } . وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ خَرَجَ بِسَبَبِ شَرْطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتَقِ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ . وَكَذَا مَا كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ مُسْتَلْزِمًا وُجُودَ مَا نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا نُهِيَ عَنْهُ وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ نُهِيَ عَنْهُ بِبَعْضِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا عَلِمَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ لَكِنْ قَدْ يَخْتَلِفُ اجْتِهَادُ الْعُلَمَاءِ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ؟ فَيَخْتَلِفُ اجْتِهَادُهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ ؛ بِنَاءً عَلَى هَذَا . وَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْأُمَّةِ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ الْمُشْتَرَطُ لَيْسَ مُحَرَّمًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ مُنَافٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَمِثَالُ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى أَهْلِ الرِّبَاطِ مُلَازَمَتَهُ وَهَذَا مَكْرُوهٌ فِي الشَّرِيعَةِ مِمَّا أَحْدَثَهُ النَّاسُ أَوْ يَشْتَرِطُ عَلَى الْفُقَهَاءِ اعْتِقَادَ بَعْضِ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ بَعْضِ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ يَشْتَرِطُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ الْمُؤَذِّنِ تَرْكَ بَعْضِ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ أَوْ فِعْلَ بَعْضِ بِدَعِهِمَا مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ أَوْ أَنْ يَصِلَ الْأَذَانَ بِذِكْرِ غَيْرِ مَشْرُوعٍ أَوْ أَنْ يُقِيمَ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمَدْرَسَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ مَعَ إقَامَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ : أَنْ يُصَلُّوا وُحْدَانًا . وَمِمَّا يَلْحَقُ بِهَذَا الْقِسْمِ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مُسْتَلْزِمًا تَرْكَ مَا نَدَبَ إلَيْهِ الشَّارِعُ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى أَهْلِ رِبَاطٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ إلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ أَنْ يُصَلُّوا فِيهَا فَرْضَهُمْ : فَإِنَّ هَذَا دُعَاءٌ إلَى تَرْكِ الْفَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مِثْلِ هَذَا بَلْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ هُوَ الْأَفْضَلُ ؛ بَلْ الْوَاجِبُ هَدْمُ مَسَاجِدِ الضِّرَارِ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِهِ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اشْتِرَاطُ الْإِيقَادِ عَلَى الْقُبُورِ : إيقَادُ الشَّمْعِ أَوْ الدُّهْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ } وَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ وَإِسْرَاجُ الْمَصَابِيحِ عَلَى الْقُبُورِ مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ . وَتَفَاصِيلُ هَذِهِ الشُّرُوطِ يَطُولُ جِدًّا وَإِنَّمَا نَذْكُرُهَا هُنَا جِمَاعَ الشُّرُوطِ . ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ : عَمَلٌ لَيْسَ بِمَكْرُوهِ فِي الشَّرْعِ وَلَا مُسْتَحَبٍّ . بَلْ هُوَ مُبَاحٌ مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ فَهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ . وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعُلَمَاءِ : مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ شَرْطَهُ بَاطِلٌ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ أَنْ يَشْرِطَ إلَّا مَا كَانَ قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْذُلَ مَالَهُ إلَّا لِمَا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي الدِّينِ أَوْ الدُّنْيَا فَمَا دَامَ
الْإِنْسَانُ
حَيًّا فَلَهُ أَنْ يَبْذُلَ مَالَهُ فِي تَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ الْمُبَاحَةِ لِأَنَّهُ
يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ . فَأَمَّا الْمَيِّتُ فَمَا بَقِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ
يَنْتَفِعُ مِنْ أَعْمَالِ الْأَحْيَاءِ ؛ إلَّا بِعَمَلِ صَالِحٍ قَدْ أَمَرَ
بِهِ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ أَهْدَى إلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَأَمَّا الْأَعْمَالُ الَّتِي
لَيْسَتْ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا الْمَيِّتُ بِحَالِ
؛ فَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُوصِي أَوْ الْوَاقِفُ عَمَلًا أَوْ صِفَةً لَا ثَوَابَ
فِيهَا ؛ كَانَ السَّعْيُ فِي تَحْصِيلِهَا سَعْيًا فِيمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ
فِي دُنْيَاهُ وَلَا فِي آخِرَتِهِ ؛ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ ؛ وَهَذَا
إنَّمَا مَقْصُودُهُ بِالْوَقْفِ التَّقَرُّبَ . . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَمَّنْ أَوْقَفَ رِبَاطًا ؛ وَجَعَلَ فِيهِ جَمَاعَةً
مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ ؛ وَجَعَلَ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِمْ ؛
وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ : مِنْهَا أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي
وَقْتَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ مِنْ النَّهَارِ ؛ فَيَقْرَءُونَ شَيْئًا مُعَيَّنًا
مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَوْقَفَهُ لَا فِي غَيْرِهِ ؛
مُجْتَمِعِينَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُتَفَرِّقِينَ ؛ وَشَرَطَ أَنْ يُهْدُوا لَهُ
ثَوَابَ التِّلَاوَةِ ؛ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا شَرَطَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي
أَوْقَفَهُ لَمْ يَأْخُذْ مَا جَعَلَ لَهُ . فَهَلْ جَمِيعُ الشُّرُوطِ لَازِمَةٌ
لِمَنْ أَخَذَ الْمَعْلُومَ ؟ أَمْ بَعْضُهَا ؟ أَمْ لَا أَثَرَ لِجَمِيعِهَا ؟
وَهَلْ إذَا لَزِمَتْ الْقِرَاءَةُ . فَهَلْ يَلْزَمُ جَمِيعُ مَا شَرَطَهُ
مِنْهَا ؟ أَمْ يَقْرَءُونَ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ قِرَاءَتُهُ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يُهْدُوا شَيْئًا ؟ .
فَأَجَابَ
:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ
مَا شُرِطَ مِنْ الْعَمَلِ مِنْ الْوُقُوفِ الَّتِي تُوقَفُ عَلَى الْأَعْمَالِ
فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قُرْبَةً ؛ إمَّا وَاجِبًا ؛ وَإِمَّا مُسْتَحَبًّا
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ فَلَا يَصِحُّ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ
الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ ؛ وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ عَلَى
الصَّحِيحِ . وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ
تَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ .
كَالشُّرُوطِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ . وَمَنْ قَالَ
مِنْ الْفُقَهَاءِ : إنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ نُصُوصٌ كَأَلْفَاظِ الشَّارِعِ فَمُرَادُهُ
أَنَّهَا كَالنُّصُوصِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مُرَادِ الْوَاقِفِ ؛ لَا فِي
وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا : أَيْ أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ يُسْتَفَادُ مِنْ
أَلْفَاظِهِ الْمَشْرُوطَة ؛ كَمَا يُسْتَفَادُ مُرَادُ الشَّارِعِ مِنْ
أَلْفَاظِهِ ؛ فَكَمَا يُعْرَفُ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ وَالْإِطْلَاقُ
وَالتَّقْيِيدُ وَالتَّشْرِيكُ وَالتَّرْتِيبُ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَلْفَاظِ
الشَّارِعِ . فَكَذَلِكَ تُعْرَفُ فِي الْوَقْف مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ . مَعَ
أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي هَذَا أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ وَلَفْظَ الْحَالِفِ
وَالشَّافِعِ وَالْمُوصِي وَكُلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ
وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا ؛ سَوَاءٌ وَافَقَتْ الْعَرَبِيَّةَ
الْعَرْبَاءَ ؛ أَوْ الْعَرَبِيَّةَ الْمُوَلَّدَةَ ؛ أَوْ الْعَرَبِيَّةَ
الْمَلْحُونَةَ ؛ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَرَبِيَّةٍ وَسَوَاءٌ وَافَقَتْ لُغَةَ
الشَّارِعِ ؛ أَوْ لَمْ تُوَافِقْهَا ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَلْفَاظِ
دَلَالَتُهَا عَلَى مُرَادِ النَّاطِقِينَ بِهَا ؛ فَنَحْنُ نَحْتَاجُ إلَى
مَعْرِفَةِ كَلَامِ الشَّارِعِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ لُغَتِهِ وَعُرْفِهِ
وَعَادَتِهِ تَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِهِ وَكَذَلِكَ فِي
خِطَابِ كُلِّ أُمَّةٍ وَكُلِّ قَوْمٍ ؛ فَإِذَا تَخَاطَبُوا بَيْنَهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ . أَوْ الْوَقْفِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِكَلَامِ رَجَعَ إلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِهِمْ وَإِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِمْ مِنْ عَادَتِهِمْ فِي الْخِطَابِ ؛ وَمَا يَقْتَرِنُ بِذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ . وَأَمَّا أَنْ تُجْعَلَ نُصُوصُ الْوَاقِفِ أَوْ نُصُوصُ غَيْرِهِ مِنْ الْعَاقِدِينَ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا ؛ فَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ إذْ لَا أَحَدَ يُطَاعُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ الْبَشَرِ - بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالشُّرُوطُ إنْ وَافَقَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ صَحِيحَةً . وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ بَاطِلَةً . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِهِ وَقَالَ : { مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ . وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ ؛ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } . وَهَذَا الْكَلَامُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . سَوَاءٌ تَنَاوَلَهُ لَفْظُ الشَّارِعِ . أَوْ لَا ؛ إذْ الْأَخْذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ . أَوْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِغَيْرِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ عُمُومًا مَعْنَوِيًّا .
وَإِذَا
كَانَتْ شُرُوطُ الْوَاقِفِ تَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ : بِالِاتِّفَاقِ ؛
فَإِنْ شَرَطَ فِعْلًا مُحَرَّمًا ظَهَرَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقِ
فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَإِنْ شَرَطَ مُبَاحًا لَا قُرْبَةَ فِيهِ كَانَ
أَيْضًا بَاطِلًا ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا لَهُ وَلَا
لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِالْإِعَانَةِ
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى . وَأَمَّا بَذْلُ الْمَالِ فِي مُبَاحٍ : فَهَذَا
إذَا بَذَلَهُ فِي حَيَاتِهِ مِثْلَ الِابْتِيَاعِ ؛ وَالِاسْتِئْجَارِ جَازَ ؛
لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِتَنَاوُلِ الْمُبَاحَاتِ فِي حَيَاتِهِ .
وَأَمَّا الْوَاقِفُ وَالْمُوصِي فَإِنَّهُمَا لَا
يَنْتَفِعَانِ بِمَا يَفْعَلُ الْمُوصَى لَهُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ
الْمُبَاحَاتِ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُثَابَانِ عَلَى بَذْلِ الْمَالِ فِي ذَلِكَ
فِي الْآخِرَةِ فَلَوْ بَذَلَ الْمَالَ فِي ذَلِكَ عَبَثًا وَسَفَهًا لَمْ يَكُنْ
فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى تَنَاوُلِ الْمَالِ فَكَيْفَ إذَا أَلْزَمَ بِمُبَاحِ لَا
غَرَضَ لَهُ فِيهِ فَلَا هُوَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي
الْآخِرَةِ ؛ بَلْ يَبْقَى هَذَا مُنْفِقًا لِلْمَالِ فِي الْبَاطِلِ مُسَخَّرٌ
مُعَذَّبٌ آكِلٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ .
وَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ قَدْ قَالَ : { لَا سَبْقَ
إلَّا فِي خُفٍّ ؛ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ } فَلِمَ يُجَوِّزْ بِالْجُعْلِ
شَيْئًا لَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْجِهَادِ . وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا وَقَدْ
يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَمَا فِي الْمُصَارَعَةِ وَالْمُسَابَقَةِ عَلَى
الْأَقْدَامِ فَكَيْفَ يَبْذُلُ الْعِوَضَ الْمُؤَبَّدَ فِي عَمَلٍ لَا مَنْفَعَةَ
فِيهِ لَا سِيَّمَا وَالْوَقْفُ مُحْبَسٌ مُؤَبَّدٌ فَكَيْفَ يَحْبِسُ الْمَالَ
دَائِمًا مُؤَبَّدًا عَلَى عَمَلٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَامِلُ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى حَبْسِ الْوَرَثَةِ وَسَائِرِ الْآدَمِيِّينَ بِحَبْسِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ بِلَا مَنْفَعَةٍ حَصَلَتْ لِأَحَدِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْمُتَنَاوِلِينَ بِاسْتِعْمَالِهِمْ فِي عَمَلٍ هُمْ فِيهِ مُسَخَّرُونَ يَعُوقُهُمْ عَنْ مَصَالِحِهِمْ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا فَائِدَةَ تَحْصُلُ لَهُ وَلَا لَهُمْ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ مُجْتَمِعِينَ بِصَوْتِ وَاحِدٍ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ تُسَمَّى " قِرَاءَةَ الْإِرَادَةِ " وَقَدْ كَرِهَهَا طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : كَمَالِكِ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَمَنْ رَخَّصَ فِيهَا - كَبَعْضِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد - لَمْ يَقُلْ إنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الِانْفِرَادِ يَقْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ . وَأَمَّا هَذِهِ الْقِرَاءَةُ فَلَا يَحْصُلُ لِوَاحِدِ جَمِيعُ الْقُرْآنِ بَلْ هَذَا يُتِمُّ مَا قَرَأَهُ هَذَا وَهَذَا يُتِمُّ مَا قَرَأَهُ هَذَا وَمَنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ يَتْرُكُ قِرَاءَةَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ . وَلَيْسَ فِي الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَضِيلَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ يُقَدِّمُ بِهَا الْقِرَاءَةَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَلَا قُرْبَةَ فِي تَخْصِيصِ مِثْلِ ذَلِكَ بِالْوَقْتِ . وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صِيَامًا أَوْ قِرَاءَةً أَوْ اعْتِكَافًا فِي مَكَانٍ بِعَيْنِهِ
فَإِنْ كَانَ لِلتَّعْيِينِ مَزِيَّةٌ فِي الشَّرْعِ : كَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَزِيَّةٌ : كَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ فِي مَسَاجِدِ الْأَمْصَارِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالنَّذْرِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ . وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } . فَإِذَا كَانَ النَّذْرُ الَّذِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَا يَجِبُ أَنْ يُوَفَّى بِهِ إلَّا مَا كَانَ طَاعَةً بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُوَفَّى مِنْهُ بِمُبَاحِ كَمَا لَا يَجِبُ أَنْ يُوَفَّى مِنْهُ بِمُحَرَّمِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ . وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ : كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . فَكَيْفَ بِغَيْرِ النَّذْرِ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَيْسَ فِي لُزُومِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا فِي النَّذْرِ . وَأَمَّا اشْتِرَاطُ إهْدَاءِ ثَوَابِ التِّلَاوَةِ فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى إهْدَاءِ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ : كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ ؛ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةَ يَجُوزُ إهْدَاءُ ثَوَابِهَا بِلَا نِزَاعٍ وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ . فَمَنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إهْدَاءُ ثَوَابِهَا : كَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ بَاطِلًا كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَنْ الْوَاقِفِ دُيُونَهُ فَإِنَّهُ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . وَمَنْ كَانَ مَنْ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إهْدَاءُ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ : كَأَحْمَدَ
وَأَصْحَابِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ . فَهَذَا يُعْتَبَرُ أَمْرًا
آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا قَصَدَ بِهَا وَجْهَ
اللَّهِ فَأَمَّا مَا يَقَعُ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ إجَارَةٍ أَوْ جِعَالَةٍ
فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْبَةً فَإِنْ جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ وَالْجُعْلِ
عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ
وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ نَقُولُ . . . (1) .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَمَّنْ وَقَفَ مَدْرَسَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَشَرَطَ
عَلَى أَهْلِهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِيهَا فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ ؟
وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُنْزَلِينَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى دُونَهَا . وَيَتَنَاوَلُونَ مَا قُرِّرَ لَهُمْ ؟ أَمْ لَا يَحِلُّ
التَّنَاوُلُ إلَّا بِفِعْلِ هَذَا الشَّرْطِ ؟ .
فَأَجَابَ
:
لَيْسَ هَذَا شَرْطًا صَحِيحًا يَقِفُ الِاسْتِحْقَاقُ
عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعَيْنِهَا
الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ ؛
لِأَدِلَّةِ مُتَعَدِّدَةٍ . وَقَدْ بَسَطْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ مَا
فِي ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ . وَيَجُوزُ لِلْمُنْزَلِينَ أَنْ
يُصَلُّوا فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَا يُصَلُّوهَا
فِي الْمَدْرَسَةِ . وَيَسْتَحِقُّونَ مَعَ ذَلِكَ مَا قُدِّرَ لَهُمْ وَذَلِكَ أَفْضَلُ
لَهُمْ
مِنْ
أَنْ يُصَلُّوا فِي الْمَدْرَسَةِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى لِأَجْلِ حِلِّ الْجَارِي : وَرَعٌ فَاسِدٌ يُمْنَعُ صَاحِبُهُ الثَّوَابَ
الْعَظِيمَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ :
فِي وَاقِفٍ وَقَفَ رِبَاطًا عَلَى الصُّوفِيَّةِ
وَكَانَ هَذَا الرِّبَاطُ قَدِيمًا جَارِيًا عَلَى قَاعِدَةِ الصُّوفِيَّةِ فِي
الرَّبْطِ : مِنْ الطَّعَامِ وَالِاجْتِمَاعِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَطْ ؟
فَتَوَلَّى نَظْرَهُ شَخْصٌ فَاجْتَهَدَ فِي تَبْطِيلِ قَاعِدَتِهِ وَشَرَطَ عَلَى
مَنْ بِهِ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي الرِّبَاطِ أَصْلًا ثُمَّ إنَّهُمْ يُصَلُّونَ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي هَذَا الرِّبَاطِ وَيَقْرَءُونَ بَعْدَ الصُّبْحِ
قَرِيبًا مِنْ جُزْءٍ وَنِصْفٍ وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ
أَجْزَاءٍ حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ إذَا غَابَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةِ كُتُبٍ
عَلَيْهِ غَيْبَةً مَعَ أَنَّ هَذَا الرِّبَاطَ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ كِتَابُ وَقْفٍ
؛ وَلَا شَرْطٌ . فَهَلْ يَجُوزُ إحْدَاثُ هَذِهِ الشُّرُوطِ عَلَيْهِمْ ؟ أَمْ
لَا ؟ وَهَلْ يَأْثَمُ مَنْ أَحْدَثَهَا أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَحِلُّ لِلنَّاظِرِ
الْآنَ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِمْ غَيْبَةً أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَجِبُ إبْطَالُ
هَذِهِ الشُّرُوطِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يُثَابُ وَلِيُّ الْأَمْرِ إذَا أَبْطَلَهَا
أَمْ لَا ؟ وَإِذْ كَانَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ قَدْ شَرَطَهَا الْوَاقِفُ : هَلْ
يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا أَمْ لَا ؟ وَمَا الصُّوَرُ فِي الَّذِي يَسْتَحِقُّ
ذَلِكَ ؟ وَهَلْ إذَا كَانَ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ هُوَ مُشْتَغِلٌ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ
يَكُونُ أَوْلَى مِمَّنْ هُوَ مُتَرَسِّمٌ بِرَسْمِ ظَاهِرٍ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ ؟
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَأَدِّبًا
بِالْآدَابِ
الشَّرْعِيَّةِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . أَمْ لَا ؟ وَإِذَا
كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مُشْتَغِلٌ بِالْعِلْمِ الشَّرِيفِ . وَلَهُ مِنْ الدُّنْيَا
مَا لَا يَقُومُ بِبَعْضِ كِفَايَتِهِ . هَلْ يَكُونُ أَوْلَى مِمَّنْ لَيْسَ
مُتَأَدِّبًا بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ . وَلَا عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ
أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ . وَبَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ بَيَانًا شَافِيًا بِالدَّلِيلِ
مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ .
فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ إحْدَاثُ هَذِهِ الشُّرُوطِ
وَلَا غَيْرِهَا فَإِنَّ النَّاظِرَ إنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لِمَا شَرَطَهُ
الْوَاقِفُ . لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ شُرُوطًا لَمْ يُوجِبْهَا الْوَاقِفُ
وَلَا أَوْجَبَهَا الشَّارِعُ وَيَأْثَمُ مَنْ أَحْدَثَهَا . فَإِنَّهُ مَنَعَ
الْمُسْتَحِقِّينَ حَقَّهُمْ حَتَّى يَعْمَلُوا أَعْمَالًا لَا تَجِبُ . وَلَا
يَحِلُّ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى مَنْ أَخَلَّ بِذَلِكَ غَيْبَةً ؛ بَلْ يَجِبُ
إبْطَالُ هَذِهِ الشُّرُوطِ . وَيُثَابُ السَّاعِي فِي إبْطَالِهَا مُبْتَغِيًا بِذَلِكَ
وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى . وَأَمَا الصُّوفِيُّ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ
عَلَى الصُّوفِيَّةِ ؛ فَيُعْتَبَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ . أَحَدُهَا : أَنْ
يَكُونَ عَدْلًا فِي دِينِهِ ؛ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ وَيَجْتَنِبُ الْمَحَارِمَ . الثَّانِي :
أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِغَالِبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي غَالِبِ
الْأَوْقَاتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً مِثْلَ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ
وَاللِّبَاسِ وَالنَّوْمِ
وَالسَّفَرِ وَالرُّكُوبِ وَالصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ وَالْمُعَامَلَةِ مَعَ الْخَلْقِ ؛ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآدَابِ الشَّرِيفَةِ قَوْلًا وَفِعْلًا . وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ مِنْ الْآدَابِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الدِّينِ ؛ مِنْ الْتِزَامِ شَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي اللُّبْسَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُسْتَحَبُّ فِي الشَّرِيعَةِ . فَإِنَّ مَبْنَى الْآدَابِ عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَلَا يُلْتَفَتُ أَيْضًا إلَى مَا يُهْدِرُهُ بَعْضُ الْمُتَفَقِّهَةِ مِنْ الْآدَابِ الْمَشْرُوعَةِ يَعْتَقِدُ - لِقِلَّةِ عِلْمِهِ - أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ آدَابِ الشَّرِيعَةِ ؛ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِيمَا بَلَغَهُ مِنْ الْعِلْمِ أَوْ طَالَعَهُ مِنْ كُتُبِهِ ؛ بَلْ الْعِبْرَةُ فِي الْآدَابِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ : قَوْلًا وَفِعْلًا وَتَرْكًا ؛ كَمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْفَرَائِضِ وَالْمَحَارِمِ بِذَلِكَ أَيْضًا . وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ فِي الصُّوفِيِّ : قَنَاعَتُهُ بِالْكَفَافِ مِنْ الرِّزْقِ ؛ بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ مِنْ الدُّنْيَا مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ ؛ فَمَنْ كَانَ جَامِعًا لِفُضُولِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ يَقْصِدُ إجْرَاءَ الْأَرْزَاقِ عَلَيْهِمْ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُفْسِحُ لَهُمْ فِي مُجَرَّدِ السُّكْنَى فِي الرَّبْطِ وَنَحْوِهَا . فَمَنْ حَمَلَ هَذِهِ الْخِصَالَ الثَّلَاثَ كَانَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْمَقْصُودِينَ بِالرَّبْطِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهَا . وَمَا فَوْقَ هَؤُلَاءِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الزَّكِيَّةِ وَذَوِي الْحَقَائِقِ الدِّينِيَّةِ وَالْمِنَحِ الرَّبَّانِيَّةِ : فَيَدْخُلُونَ فِي الْعُمُومِ ؛ لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ الْوَقْفُ بِهِمْ لِقِلَّةِ هَؤُلَاءِ ؛ وَلِعُسْرِ تَمْيِيزِ الْأَحْوَالِ الْبَاطِنَةِ عَلَى غَالِبِ الْخَلْقِ ؛ فَلَا يُمْكِنُ رَبْطُ اسْتِحْقَاقِ الدُّنْيَا بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ قَدْ لَا يُنْزِلُ الرَّبْطَ إلَّا نَادِرًا . وَمَا دُونَ هَذِهِ الصِّفَاتِ مِنْ الْمُقْتَصِرِينَ عَلَى مُجَرَّدِ رَسْمٍ فِي لُبْسَةٍ أَوْ مِشْيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ : لَا يَسْتَحِقُّونَ الْوَقْفَ ؛ وَلَا يَدْخُلُونَ فِي مُسَمَّى الصُّوفِيَّةِ ؛ لَا سِيَّمَا
إنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْدَثًا لَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ ؛ فَإِنَّ بَذْلَ الْمَالِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الرُّسُومِ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ ؛ وَأَكْلٌ لِأَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَصُدُودٌ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ . وَمَنْ كَانَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْمَذْكُورِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ فِيهِ قَدْرٌ زَائِدٌ : مِثْلَ اجْتِهَادٍ فِي نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ ؛ أَوْ سَعْيٍ فِي تَصْحِيحِ أَحْوَالِ الْقَلْبِ ؛ أَوْ طَلَبِ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْيَانِ ؛ أَوْ عِلْمِ الْكِفَايَةِ : فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ . وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَأَدِّبًا بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ ؛ وَطَالِبُ الْعِلْمِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ تَمَامُ الْكِفَايَةِ : أَوْلَى مِمَّنْ لَيْسَ فِيهِ الْآدَابُ الشَّرْعِيَّةُ ؛ وَلَا عِلْمَ عِنْدِهِ ؛ بَلْ مِثْلُ هَذَا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا.
مَا
تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءَ :
فِي الشُّرُوطِ الَّتِي قَدْ جَرَتْ الْعَوَائِدُ فِي
اشْتِرَاطِ أَمْثَالِهَا مِنْ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِمَّا
بَعْضُهُ لَهُ فَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ مَطْلُوبَةٌ وَبَعْضُهَا
لَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ غَرَضٍ لِلْوَاقِفِ ؛ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى
الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؛ فَإِنْ وَفَى بِهِ شَقَّ عَلَيْهِ ؛ وَإِنْ أَهْمَلَهُ
خَشِيَ الْإِثْمَ وَأَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِلًا لِلْحَرَامِ وَذَلِكَ كَشَرْطِ
وَاقِفِ الرِّبَاطِ أَوْ الْمَدْرَسَةِ الْمَبِيتَ وَالْعُزُوبَةَ وَتَأْدِيَةَ
الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ بِالرِّبَاطِ وَتَخْصِيصَ الْقِرَاءَةِ الْمُعَيَّنَةِ
بِالْمَكَانِ بِعَيْنِهِ وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ مَدِينَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ
مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ فِي
الْإِمَامَةِ بِالْمَسَاجِدِ وَالْأَذَانِ وَسَمَاعِ الْحَدِيثِ بِحِلَقِ
الْحَدِيث بالخوانك . فَهَلْ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا هُوَ
مُبَاحٌ فِي الْجُمْلَةِ وَلِلْوَاقِفِ فِيهِ يَسِيرُ غَرَضٍ لَازِمَةٍ لَا يَحِلُّ
لِأَحَدِ الْإِخْلَالُ بِهَا وَلَا بِشَيْءِ مِنْهَا ؟ أَمْ يُلْزَمُ الْبَعْضُ
مِنْهَا دُونَ الْبَعْضِ ؟ وَأَيُّ ذَلِكَ هُوَ اللَّازِمُ ؟ وَأَيُّ ذَلِكَ
الَّذِي لَا يَلْزَمُ ؟ وَمَا الضَّابِطُ فِيمَا يَلْزَمُ وَمَا لَا يَلْزَمُ ؟ .
فَأَجَابَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الْأَعْمَالُ
الْمَشْرُوطَةُ فِي الْوَقْفِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مِثْلَ الْوَقْفِ
عَلَى الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ
وَالْقُرْآنِ
وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ بِالْعِبَادَةِ أَوْ بِالْجِهَادِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهَا : عَمَلٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ
تَعَالَى وَهُوَ الْوَاجِبَاتُ والمستحبات الَّتِي رَغَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَحَضَّ عَلَى تَحْصِيلِهَا . فَمِثْلُ هَذَا
الشَّرْطِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيَقِفُ اسْتِحْقَاقُ الْوَقْفِ عَلَى
حُصُولِهِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَالثَّانِي : عَمَلٌ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ : نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ نَهْيَ تَنْزِيهٍ
فَاشْتِرَاطُ مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لِمَا قَدْ
اسْتَفَاضَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَقَالَ : { مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا
لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ
اللَّهِ أَوْثَقُ } وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ خَرَجَ بِسَبَبِ شَرْطِ الْوَلَاءِ
لِغَيْرِ الْمُعْتَقِ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ
السَّبَبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ مُسْتَلْزِمًا وُجُودَ مَا نَهَى عَنْهُ
الشَّارِعُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا نَهَى عَنْهُ وَمَا عُلِمَ بِبَعْضِ
الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا عُلِمَ
أَنَّهُ صَرَّحَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ ؛ لَكِنْ قَدْ يَخْتَلِفُ اجْتِهَادُ
الْعُلَمَاءِ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ : هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ
؟ فَيَخْتَلِفُ اجْتِهَادُهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ بِنَاءً عَلَى هَذَا وَهَذَا
أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْأُمَّةِ .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِطُ لَيْسَ مُحَرَّمًا فِي نَفْسِهِ ؛ لَكِنَّهُ مُنَافٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ . فَمِثَالُ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى أَهْلِ الرِّبَاطِ مُلَازَمَتَهُ هَذَا مَكْرُوهٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَمَا قَدْ أَحْدَثَهُ النَّاسُ أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْفُقَهَاءِ اعْتِقَادَ بَعْضِ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ بَعْضِ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ تَرْكَ بَعْضِ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ أَوْ فِعْلَ بَعْضِ بِدَعِهَا مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَأَنْ يَصِلَ الْأَذَانَ بِذِكْرِ غَيْرِ مَشْرُوعٍ أَوْ أَنْ يُقِيمَ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمَدْرَسَةِ وَالْمَسْجِدِ مَعَ إقَامَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا وُحْدَانًا . وَمِمَّا يَلْتَحِقُ بِهَذَا الْقِسْمِ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَضِّ عَلَى تَرْكِ مَا نَدَبَ إلَيْهِ الشَّارِعُ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى أَهْلِ رِبَاطٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ إلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ أَنْ يُصَلُّوا فِيهَا فَرْضَهُمْ فَإِنَّ هَذَا دُعَاءٌ إلَى تَرْكِ أَدَاءِ الْفَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مِثْلِ هَذَا ؛ بَلْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ هُوَ الْأَفْضَلُ بَلْ الْوَاجِبُ هَدْمُ مَسَاجِدِ الضِّرَارِ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِهِ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اشْتِرَاطُ الْإِيقَادِ عَلَى الْقُبُورِ وَإِيقَادِ شَمْعٍ أَوْ دُهْنٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ
عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ } . وَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ وَإِسْرَاجُ الْمَصَابِيحِ عَلَى الْقُبُورِ مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ . وَتَفَاصِيلُ هَذِهِ الشُّرُوطِ تَطُولُ جِدًّا وَإِنَّمَا نَذْكُرُ هُنَا جِمَاعَ الشُّرُوطِ . الْقِسْمُ الثَّالِثُ : عَمَلٌ لَيْسَ بِمَكْرُوهِ فِي الشَّرْعِ وَلَا مُسْتَحَبٌّ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ . فَهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ وَالْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ أَنْ يَشْتَرِطَ إلَّا مَا كَانَ قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْذُلَ مَالَهُ إلَّا لِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي الدِّينِ أَوْ الدُّنْيَا فَمَا دَامَ الرَّجُلُ حَيًّا فَلَهُ أَنْ يَبْذُلَ مَالَهُ فِي تَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ الْمُبَاحَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ . فَأَمَّا الْمَيِّتُ فَمَا بَقِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ يَنْتَفِعُ مِنْ أَعْمَالِ الْأَحْيَاءِ إلَّا بِعَمَلِ صَالِحٍ قَدْ أَمَرَ بِهِ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ قَدْ أَهَدَى إلَيْهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَأَمَّا الْأَعْمَالُ الَّتِي لَيْسَتْ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا الْمَيِّتُ بِحَالِ . فَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُوصِي أَوْ الْوَاقِفُ عَمَلًا أَوْ صِفَةً لَا ثَوَابَ فِيهَا كَانَ السَّعْيُ فِيهَا بِتَحْصِيلِهَا سَعْيًا فِيمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ . وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ . وَهُوَ إنَّمَا مَقْصُودُهُ بِالْوَقْفِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّارِعُ أَعْلَمُ مِنْ الْوَاقِفِينَ بِمَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَالْوَاجِبُ أَنْ يَعْمَلَ فِي شُرُوطِهِمْ بِمَا يَشْرُطُهُ اللَّهُ وَرَضِيَهُ فِي شُرُوطِهِمْ .
وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ : { لَا سَبْقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ ؛ أَوْ حَافِرٍ } وَعَمِلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ ؛ وَمُتَابِعُوهُمْ فَنَهَى عَنْ بَذْلِ الْمَالِ فِي الْمُسَابَقَةِ إلَّا فِي مُسَابَقَةٍ يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ؛ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَبْذُلَ الْجُعْلَ الْمُؤَبَّدَ لِمَنْ يَعْمَلُ دَائِمًا عَمَلًا لَيْسَ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى . وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ؛ لَكِنْ قَدْ تَخْتَلِفُ آرَاءُ النَّاسِ وَأَهْوَاؤُهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ ؛ وَلَا يُمْكِنُ هُنَا تَفْصِيلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ . وَلَكِنْ مَنْ لَهُ هِدَايَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَيْهِ الْمَقْصُودُ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ . وَتُسَمِّي الْعُلَمَاءُ مِثْلَ هَذِهِ الْأُصُولِ " تَحْقِيقَ الْمَنَاطِ " وَذَلِكَ كَمَا أَنَّهُمْ جَمِيعَهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْعَدَالَةَ فِي الشَّهَادَةِ ؛ وَيُوجِبُونَ النَّفَقَةَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ . ثُمَّ قَدْ يَخْتَلِفُ اجْتِهَادُهُمْ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ : هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الْعَدَالَةِ ؟ وَيَخْتَلِفُونَ فِي صِفَةِ الْإِنْفَاقِ بِالْمَعْرُوفِ . وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا يُنَبِّهُ عَنْ مِثَالِهِ . أَمَّا إذَا اشْتَرَطَ عَلَى أَهْلِ الرِّبَاطِ أَوْ الْمَدْرَسَةِ أَنْ يُصَلُّوا فِيهَا الْخَمْسَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ ؛ فَإِنْ كَانَتْ فِيمَا فِيهِ مَقْصُودٌ شَرْعِيٌّ ؛ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَانٍ بِعَيْنِهِ ؛ فَإِنْ كَانَ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمَكَانِ قُرْبَةٌ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ ؛ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ إذَا لَمْ يُصَلِّ صَلَاةً تَكُونُ مِثْلَ تِلْكَ ؛ أَوْ أَفْضَلَ ؛ وَإِلَّا
وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالصَّلَاةِ ؛ دُونَ التَّعْيِينِ وَالْمَكَانِ . وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّعْيِينِ مَقْصُودٌ شَرْعِيٌّ . فَإِذَا كَانَ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ هُنَاكَ فِي جَمَاعَةٍ اُعْتُبِرَتْ الْجَمَاعَةُ ؛ فَإِنَّهَا مَقْصُودٌ شَرْعِيٌّ بِحَيْثُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ الصَّحِيحِ ؛ وَأَمَّا التَّعْيِينُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَأَمَّا اشْتِرَاطُ التَّعَزُّبِ والرهبانية ؛ فَالْأَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ بِحَالِ ؛ لَا عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ وَلَا أَهْلِ الْعِبَادَةِ ؛ وَلَا عَلَى أَهْلِ الْجِهَادِ ؛ فَإِنَّ غَالِبَ الْخَلْقِ يَكُونُ لَهُمْ شَهَوَاتٌ ؛ وَالنِّكَاحُ فِي حَقِّهِمْ مَعَ الْقُدْرَةِ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ ؛ فَاشْتِرَاطُ التَّعَزُّبِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ إنْ كَانَ فَهُوَ مُنَاقَضَةٌ لِلشَّرْعِ . وَإِنْ قِيلَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعَزُّبِ الَّذِي لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ النِّكَاحُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ خَرَجَ عَامَّةُ الشَّبَابِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ ؛ وَهُمْ الَّذِينَ تُرْجَى الْمَنْفَعَةُ بِتَعْلِيمِهِمْ فِي الْغَالِبِ ؛ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ : وَقَفْت عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ الَّذِينَ لَا تُرْجَى مَنْفَعَتُهُمْ فِي الْغَالِبِ وَقَدْ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَاهُ مَالٌ قَسَمَ لِلْآهِلِ قسمين ؛ وَلِلْعَزَبِ قَسْمًا } فَكَيْفَ يَكُونُ الْآهِلُ مَحْرُومًا . وَقَدْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ الْمُتَعَلِّمِينَ الْمُتَعَبِّدِينَ : { يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ } .
فَكَيْفَ يُقَالُ لِلْمُتَعَلِّمِينَ والمتعبدين : لَا تَتَزَوَّجُوا ؛ وَالشَّارِعُ نَدَبَ إلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ ؛ وَحَضَّ عَلَيْهِ . وَقَدْ قَالَ : { لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ } فَكَيْفَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ رَهْبَانِيَّةٍ . وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ التَّعَزُّبَ أَعْوَنُ عَلَى كَيْدِ الشَّيْطَانِ وَالتَّعَلُّمِ وَالتَّعَبُّدِ : غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَلِلْوَاقِعِ ؛ بَلْ عَدَمُ التَّعَزُّبِ أَعْوَنُ عَلَى كَيْدِ الشَّيْطَانِ وَالْإِعَانَةُ لِلْمُتَعَبِّدِينَ والمتعلمين أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ إعَانَةِ الْمُتَرَهِّبِينَ مِنْهُمْ . وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ أَهْلِ بَلَدٍ أَوْ قَبِيلَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ ؛ مِمَّا لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ ؛ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَالْمَسَاجِدُ لِلَّهِ ؛ تُبْنَى لِلَّهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ فَإِذَا قَيَّدَ إمَامَ الْمَسْجِدِ بِبَلَدِ فَقَدْ يُوجَدُ فِي غَيْرِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ فِي شَرْطِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ فَإِنْ وَفَّيْنَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَزِمَ تَرْكُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَشَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ .
وَأَمَّا
بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا فَيَحْتَاجُ كُلُّ شَرْطٍ مِنْهَا إلَى
كَلَامٍ خَاصٍّ فِيهِ ؛ لَا تَتَّسِعُ لَهُ هَذِهِ الْوَرَقَةُ ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا
الْأَصْلَ . فَعَلَى الْمُؤْمِنِ بِاَللَّهِ أَنْ يَنْظُرَ دَائِمًا فِي كُلِّ مَا
يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْخَلْقِ ؛ فَيَسْعَى فِي تَحْصِيلِهِ
بِالْوَقْفِ وَغَيْرِهِ ؛ وَمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَسْعَى فِي
إعْدَامِهِ وَمَا لَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَلَا يُحِبُّهُ يُعْرِضُ عَنْهُ وَلَا
يُعَلِّقُ بِهِ اسْتِحْقَاقَ وَقْفٍ وَلَا عَدَمَهُ وَلَا غَيْرَهُ . وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ زَاوِيَةٍ فِيهَا عَشَرَةُ فُقَرَاءَ مُقِيمُونَ
وَبِتِلْكَ الزَّاوِيَةِ مَطْلَعٌ بِهِ امْرَأَةٌ عَزْبَاءُ وَهِيَ مِنْ أَوْسَطِ
النِّسَاءِ ؛ وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لَهَا مَسْكَنَهَا فِي تِلْكَ
الزَّاوِيَةِ ؛ وَلَمْ تَكُنْ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ ؛ وَلَمْ يَكُنْ سَاكِنٌ
فِي الْمَطْلَعِ سِوَى الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبَابُ الْمَطْلَعِ
الْمَذْكُورِ يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُ الزَّاوِيَةِ . فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا
السُّكْنَى بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ الْمُقِيمِينَ ؛ أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا .
فَأَجَابَ
:
إنْ كَانَ شَرَطَ الْوَاقِفُ لَا يَسْكُنُهُ إلَّا
الرِّجَالُ سَوَاءٌ كَانُوا عَزَبًا أَوْ مُتَأَهِّلِينَ مُنِعَتْ لِمُقْتَضَى
الشَّرْطِ . وَكَذَلِكَ سُكْنَى الْمَرْأَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالِ
بَيْنَ النِّسَاءِ يُمْنَعُ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ نَاظِرِ وَقْفٍ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ
شَرْعِيَّةٌ وَبِالْوَقْفِ ( شَخْصٌ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ وِلَايَةِ النَّاظِرِ
يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةِ أَحَدِ الْحُكَّامِ لِأَنَّ لَهُ النَّظْرَ الْعَامَّ
وَأَنَّ النَّاظِرَ عَزَلَ هَذَا الْمُبَاشِرَ فَبَاشَرَ بَعْدَ عَزْلِهِ وَسَأَلَ
النَّاظِرَ الْحَاكِمُ أَنْ يَدْفَعَ هَذَا عَنْ الْمُبَاشَرَةِ فَادَّعَى
الْحَاكِمُ عَلَى النَّاظِرِ دَعْوَى فَأَنْكَرَهَا . فَهَلْ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ
بِدُونِ أَمْرِ النَّاظِرِ الشَّرْعِيِّ ؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ
الْحَاكِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا النَّاظِرِ الَّذِي هُوَ خَصْمُهُ دُونَ
سَائِرِ الْحُكَّامِ ؟ وَإِذَا اعْتَدَى عَلَى النَّاظِرِ فَمَاذَا يَسْتَحِقُّ
عَلَى عُدْوَانِهِ عَلَيْهِ ؟ .
فَأَجَابَ
:
لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُوَلِّيَ وَلَا يَتَصَرَّفَ
فِي الْوَقْفِ بِدُونِ أَمْرِ النَّاظِرِ الشَّرْعِيِّ الْخَاصِّ إلَّا أَنْ
يَكُونَ النَّاظِرُ الشَّرْعِيُّ قَدْ تَعَدَّى فِيمَا يَفْعَلُهُ وَلِلْحَاكِمِ
أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ
بَيْنَ النَّاظِرِ وَالْحَاكِمِ مُنَازَعَةٌ حَكَمَ بَيْنَهُمَا غَيْرُهُمَا
بِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ اعْتَدَى عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُقَابَلُ
عَلَى عُدْوَانِهِ إمَّا أَنْ يُعَاقَبَ بِمِثْلِ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَتْ
الْمُمَاثَلَةُ ؛ وَإِلَّا عُوقِبَ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ شَرْعًا . وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ نَاظِرَيْنِ : هَلْ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَا
الْمَنْظُورَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْظُرُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي نِصْفِهِ فَقَطْ
فَأَجَابَ
:
لَا يَتَصَرَّفَانِ إلَّا جَمِيعًا فِي جَمِيعِ
الْمَنْظُورِ فِيهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ انْفَرَدَ بِالتَّصَرُّفِ لَمْ
يَجُزْ فَكَيْفَ إذَا وَزَّعَ الْمُفْرَدَ فَإِنَّ الشَّرْعَ شَرَعَ جَمْعَ
الْمُتَفَرَّقِ بِالْقِسْمَةِ وَالشُّفْعَةِ . فَكَيْفَ يُفَرَّقُ الْمُجْتَمَعُ .
وَسُئِلَ
:
عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا وَشَرَطَ لِلنَّاظِرِ جِرَايَةً
وجامكية كَمَا شَرَطَ لِلْمُعَيَّنِ وَالْفُقَهَاءِ . فَهَلْ يُقَدِّمُ النَّاظِرُ
بِمَعْلُومِهِ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ
:
لَيْسَ فِي اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ مَا يَقْتَضِي
تَقَدُّمُهُ بِشَيْءِ مِنْ مَعْلُومٍ بَلْ هُوَ مَذْكُورٌ بِالْوَاوِ الَّتِي
مُقْتَضَاهَا الِاشْتِرَاكُ وَالْجَمْعُ الْمُطْلَقُ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ دَلِيلٌ
مُنْفَصِلٌ يَقْتَضِي جَوَازَ الِاخْتِصَاصِ وَالتَّقَدُّمَ غَيْرَ الشَّرْطِ
الْمَذْكُورِ :
مِثْلَ
كَوْنِهِ حَائِزًا أُجْرَةَ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ عَمِلَ بِذَلِكَ
الدَّلِيلِ الْمُنْفَصِلِ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا فَشَرْطُ الْوَاقِفِ لَا يَقْتَضِي
التَّقْدِيمَ ؛ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الجامكية وَالْجِرَايَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ
الْعِمَارَةِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ لَا مِنْ عِمَالَةِ النَّاظِرِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ
وَفِيهِمْ . مَنْ قَرَّرَ الْوَاقِفُ لِوَظِيفَتِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَجَعَلَ
لِلنَّاظِرِ عَلَى هَذَا الْوَقْفِ صَرْفَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ يُخْرِجُ بِغَيْرِ
خَرَاجٍ وَإِخْرَاجُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَالتَّعَوُّضُ عَنْهُ وَزِيَادَةُ مَنْ
أَرَادَ زِيَادَتَهُ وَنُقْصَانَهُ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَخْتَارُهُ وَيَرَى
الْمَصْلَحَةَ فِيهِ فَعَزَلَ أَحَدَ الْمُعَيَّنِينَ وَاسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ
مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْقِيَامِ بِهَا بِبَعْضِ ذَلِكَ الْمَعْلُومِ الْمُقَدَّرِ
لِلْوَظِيفَةِ وَوَفَى بَاقِي ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ
فِعْلُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا عَزَلَ أَحَدَ الْمُعَيَّنِينَ لِلْمَصْلَحَةِ
وَاسْتَمَرَّ عَلَى تَنَاوُلِ الْمَعْلُومِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ :
يَفْسُقُ بِذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا أَخَذَهُ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ
يَلْزَمُ النَّاظِرَ بَيَانُ الْمَصْلَحَةِ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ
:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، النَّاظِرُ
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا فِي أَمْرِ الْوَقْفِ إلَّا بِمُقْتَضَى
الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ الْأَصْلَحَ فَالْأَصْلَحَ
. وَإِذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ صَرْفَ مَنْ شَاءَ وَزِيَادَةَ مَنْ
أَرَادَ زِيَادَتَهُ وَنُقْصَانَهُ ،
فَلَيْسَ لِلَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشْتَهِيه أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ اتِّبَاعُ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفَسُ بَلْ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَنْ يَفْعَلَ مِنْ الْأُمُورِ الَّذِي هُوَ خَيْرُ مَا يَكُونُ إرْضَاءً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ . وَهَذَا فِي كُلِّ مَنْ تَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ : كَالْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ وَالْوَاقِفِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ وَغَيْرِهِمْ : إذَا قِيلَ : هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَفْعَلُ مَا شَاءَ وَمَا رَأَى فَإِنَّمَا ذَاكَ تَخْيِيرُ مَصْلَحَةٍ لَا تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ . وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُ مُعَيَّنٍ بَلْ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ وَأَرْضَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَدْ قَالَ الْوَاقِفُ : عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَخْتَارُهُ وَيَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ . وَمُوجَبُ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِرَأْيِهِ وَاخْتِيَارِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يَتَّبِعُ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ الشَّرْعِيَّةَ . وَقَدْ يَرَى هُوَ مَصْلَحَةً وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ يَأْمُرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ هَذَا مَصْلَحَةً كَمَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً وَقَدْ يَخْتَارُ مَا يَهْوَاهُ لَا مَا فِيهِ رِضَى اللَّهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اخْتِيَارِهِ حَتَّى لَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِأَنَّ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَهْوَاهُ وَمَا يَرَاهُ مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ صَحِيحًا ؛ بَلْ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ { وَمَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهُ أَوْثَقُ } . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَكَانَ عَزْلُ النَّاظِرِ وَاسْتِبْدَالُهُ مُوَافِقًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَعْزُولِ وَلَا غَيْرِهِ رَدُّ ذَلِكَ وَلَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ
وَالْحَالُ
هَذِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ مَرْدُودًا
بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } وَقَالَ : { لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقِ
فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ } . وَإِنْ تَنَازَعُوا هَلْ الَّذِي فَعَلَهُ هُوَ
الْمَأْمُورُ بِهِ أَمْ لَا ؟ رَدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي فَعَلَ النَّاظِرُ أَرْضَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
نَفَذَ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَرْضَى أُلْزِمَ النَّاظِرُ بِإِقْرَارِهِ
وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَمْرٌ ثَالِثٌ هُوَ الْأَرْضَى لَزِمَ اتِّبَاعُهُ .
وَعَلَى النَّاظِرِ بَيَانُ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ ظَهَرَتْ وَجَبَ اتِّبَاعُهَا
وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ رُدَّتْ وَإِنْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ وَكَانَ
النَّاظِرُ عَالِمًا عَادِلًا سَوَّغَ لَهُ اجْتِهَادُهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ رَجُلٍ لَهُ مَزْرَعَةٌ وَبِهَا شَجَرٌ وُقِفَ
لِلْفُقَرَاءِ تُبَاعُ كُلَّ سَنَةٍ وَتُصْرَفُ فِي مَصَارِفِهَا . ثُمَّ إنَّ
النَّاظِرَ أَجَّرَ الْوَقْفَ لِمَنْ يَضُرُّ بِالْوَقْفِ وَكَانَ هُنَاكَ حَوْضٌ
لِلسَّبِيلِ وَمَطْهَرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ : فَهَدَمَهَا هَذَا الْمُسْتَأْجِرُ
وَهَدَمَ الْحِيطَانَ . فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ
:
لَا يَجُوزُ إكْرَاءُ الْوَقْفِ لِمَنْ يَضُرُّ بِهِ
بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ وَلَا يَجُوزُ إكْرَاءُ الشَّجَرِ بِحَالِ
وَإِنْ سُوقِيَ عَلَيْهَا بِجُزْءِ حِيلَةً لَمْ يَجُزْ بِالْوَقْفِ
بِاتِّفَاقِ
الْعُلَمَاءِ وَلَا يَجُوزُ إزَالَةُ مَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لِلشُّرْبِ
وَالطَّهَارَةِ بَلْ يُعَزَّرُ هَذَا الْمُسْتَأْجِرُ الظَّالِمُ الَّذِي فَعَلَ
ذَلِكَ وَيُلْزَمُ بِضَمَانِ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الْبِنَاءِ وَأَمَّا الْقِيمَةُ
وَالشَّجَرُ فَيُسْتَغَلُّ كَمَا جَرَتْ عَادَتُهَا وَتُصْرَفُ الْغَلَّةُ فِي
مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ
.
سُئِلَ
:
عَنْ مَسَاجِدَ وَجَوَامِعَ لَهُمْ أَوْقَافٌ وَفِيهَا
قُوَّامٌ وَأَئِمَّةٌ وَمُؤَذِّنُونَ فَهَلْ لِقَاضِي الْمَكَانِ أَنْ يَصْرِفَ
مِنْهُ إلَى نَفْسِهِ .
فَأَجَابَ
:
بَلْ الْوَاجِبُ صَرْفُ هَذِهِ الْأَمْوَالِ فِي
مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ فَيُصْرَفُ مِنْ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ إلَى
الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْقُوَّامُ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَمْثَالُهُمْ .
وَكَذَلِكَ يُصْرَفُ فِي فَرْشِ الْمَسَاجِدِ وَتَنْوِيرِهَا كِفَايَتُهَا
بِالْمَعْرُوفِ وَمَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يُصْرَفَ فِي مَصَالِحِ
مَسَاجِدَ أُخَرَ . وَيُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ : كَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ فِي
أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ .
وَأَمَّا صَرْفُهَا لِلْقُضَاةِ وَمَنْعُ مَصَالِحِ
الْمَسَاجِدِ فَلَا يَجُوزُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ رَجُلٍ بَنَى مَدْرَسَةً وَأَوْقَفَ عَلَيْهَا
وَقْفًا عَلَى فُقَهَاءَ وَأَرْبَابِ وَظَائِفَ ثُمَّ إنَّ السَّلْطَنَةَ أَخَذَتْ
أَكْثَرَ الْوَقْفِ وَأَنَّ الْوَاقِفَ اشْتَرَطَ المحاصصة بَيْنَهُمْ . فَهَلْ
يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُعْطِيَ أَصْحَابَ الْوَظَائِفِ بِالْكَامِلِ وَمَا
بَقِيَ لِلْفُقَهَاءِ ؟
فَأَجَابَ
:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، إنْ كَانَ الَّذِي يَحْصُلُ
بالمحاصصة لِأَرْبَابِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهَا -
كَالْبَوَّابِ وَالْقَيِّمِ وَالسَّوَّاقِ وَنَحْوِهِمْ - أُجْرَةُ مِثْلِهِمْ يُعْطُوهُ
زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَا يَحْصُلُ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ
وَأَمْكَنَ مَنْ يَعْمَلُ بِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ
الْحَاصِلُ لَهُمْ أَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَا يَحْصُلُ مَنْ يَعْمَلُ
بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَكْمِيلِ الْمِثْلِ لَهُمْ
إذَا لَمْ تَقُمْ مَصْلَحَةُ الْمَكَانِ إلَّا بِهِمْ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ
يَجْعَلَ شَخْصٌ وَاحِدٌ قَيِّمًا وَبَوَّابًا أَوْ قَيِّمًا وَمُؤَذِّنًا أَوْ
يَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ تِلْكَ الْوَظَائِفِ وَيَقُومُ بِهَا فَإِنَّهُ يَفْعَلُ
ذَلِكَ وَلَا يُكْثِرُ الْعَدَدَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ كَوْنِ
الْوَقْفِ قَدْ عَادَ إلَى رِيعِهِ : بَلْ إذَا أَمْكَنَ سَدُّ أَرْبَعِ وَظَائِفَ
بِوَاحِدِ فَعَلَ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ
:
عَنْ دَارٍ حَدِيثٍ شَرَطَ وَاقِفُهَا فِي كِتَابِ
وَقْفِهَا مَا صَوَّرْته بِحُرُوفِهِ .
قَالَ : وَالنَّظْرُ فِي أَمْرِ أَهْلِ الدَّارِ عَلَى
اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ إثْبَاتًا وَصَرْفًا : وَإِعْطَاءً وَمَنْعًا
وَزِيَادَةً وَنَقْصًا وَنَحْوَ ذَلِكَ إلَى شَيْخِ الْمَكَانِ . وَكَذَلِكَ
النَّظْرُ إلَيْهِ فِي خِزَانَةِ كُتُبِهَا وَسَائِرِ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَوْ
يَلْحَقُ بِهِ . وَلَهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ الْوَقْفُ فِي أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ
أَنْ يُفَوِّضَ ذَلِكَ إلَى مَنْ يَتَوَلَّاهُ . ثُمَّ قَالَ : وَالنَّظْرُ فِي
أَمْرِ الْأَوْقَافِ وَأُمُورِهَا الْمَالِيَّةِ إلَى الْوَاقِفِ - ضَاعَفَ
اللَّهُ ثَوَابَهُ - يُفَوِّضُ ذَلِكَ إلَى مَنْ يَشَاءُ وَمَتَى فَوَّضَ ذَلِكَ
إلَيْهِ تَلَقَّاهُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ الْمُقَارَنِ لِإِنْشَاءِ الْوَقْفِ
وَيَنْتَقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِدِمَشْقَ وَلَهُ أَنْ
يَصْرِفَ إلَى مَنْ سِوَى ذَلِكَ مِنْ عَامِلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُغَلِّ الْوَقْفِ
عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيه الْحَالُ .
فَهَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي شَرْطِ النَّظْرِ فِي
كِتَابِ الْوَقْفِ شَيْءٌ آخَرُ يَكُونُ النَّظْرُ الْمَشْرُوطُ لِلْحَاكِمِ
مُخْتَصًّا بِحَاكِمِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بِمُقْتَضَى لَفْظِ الشَّرْطِ
الْمَذْكُورِ ؟ أَمْ لَا يَخْتَصُّ بِحَاكِمِ مُعَيَّنٍ بَلْ يَكُونُ النَّظْرُ
الْمَذْكُورُ لِمَنْ كَانَ حَاكِمًا بِدِمَشْقَ عَلَى أَيِّ مَذْهَبٍ كَانَ مِنْ
الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ ؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ
مُخْتَصًّا
وَفَوَّضَ بَعْضَ الْحُكَّامِ قُضَاةَ الْقُضَاةِ أَعَزَّهُمْ اللَّهُ بِدِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ
لِأَهْلِ كَانَ النَّظْرُ الْمَذْكُورُ بِمُقْتَضَى مَا رَآهُ مِنْ عَدَمِ
الِاخْتِصَاصِ يَجُوزُ لِحَاكِمِ آخَرَ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ بَعْضِ مَا
فَعَلَهُ بِغَيْرِ قَادِحٍ ؟
فَأَجَابَ
:
لَيْسَ فِي اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي شَرْطِ
الْوَاقِفِ مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِمَذْهَبِ مُعَيَّنٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ
فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا حَاكِمٌ
عَلَى غَيْرِ الْمَذْهَبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حَاكِمُ الْبَلَدِ وَمِنْ
الْوَاقِفِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ النَّظْرُ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ
الْمُسْلِمِينَ فَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يَقِفُونَ الْأَوْقَافَ وَيَشْرُطُونَ
أَنْ يَكُونَ النَّظْرُ لِلْحَاكِمِ أَوْ لَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ
الْوَقْفِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الشَّرْعِ فِي الْوُقُوفِ
الْعَامَّةِ الَّتِي لَمْ يُعَيِّنْ وَلِيُّ الْأَمْرِ لَهَا نَاظِرًا خَاصًّا
وَفِي الْوُقُوفِ الْخَاصَّةِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ . ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْحَاكِمُ
وَقْتَ الْوَقْفِ لَهُ مَذْهَبٌ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْحَاكِمِ مَذْهَبٌ
آخَرُ . . كَمَا يَكُونُ فِي الْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ
فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُوَلُّونَ قُضَاةَ الْقُضَاةِ تَارَةً لِحَنَفِيِّ وَتَارَةً
لِمَالِكِيِّ وَتَارَةً لِشَافِعِيِّ وَتَارَةً لِحَنْبَلِيِّ . وَهَذَا الْقَاضِي
يُوَلِّي فِي الْأَطْرَافِ مَنْ يُوَافِقُهُ عَلَى مَذْهَبِهِ تَارَةً وَمَنْ
يُخَالِفُهُ أُخْرَى وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ شَرَطَ
الْحَاكِمُ عَلَى خَلِيفَتِهِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ مُعَيَّنٍ بَطَلَ
الشَّرْطُ وَفِي فَسَادِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْقَضَاءُ أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الشَّرْطِ فَعَلُوا . فَأَمَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّ فِي الْخُرُوجِ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ جَهْلًا وَظُلْمًا أَعْظَمَ مِمَّا فِي التَّقْدِيرِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ دَفْعِ أَعْظَمِ الفسادين بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا ؛ وَلَكِنْ هَذَا لَا يُسَوِّغُ لِوَاقِفِ أَنْ لَا يَجْعَلَ النَّظْرَ فِي الْوَقْفِ إلَّا لِذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا مَعَ إمْكَانِ ؛ إلَّا أَنْ يَتَوَلَّى فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُشْرَطْ ذَلِكَ . وَلِهَذَا كَانَ فِي بَعْضِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ يُشْرَطُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِمَذْهَبِ مُعَيَّنٍ كَمَا صَارَ أَيْضًا فِي بَعْضِهَا بِوِلَايَةِ قُضَاةٍ مُسْتَقِلِّينَ ثُمَّ عُمُومُ النَّظْرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَا نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ وَفِيمَنْ يُعَيِّنُ إذَا تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ : هَلْ يُعَيِّنُ الْأَقْرَبَ ؟ أَوْ بِالْقُرْعَةِ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي فِيهَا اجْتِهَادٌ إذَا فَعَلَهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ نُفِّذَتْ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْحَاكِمُ عَلَى أَيِّ مَذْهَبٍ كَانَ إذَا كَانَتْ وِلَايَتُهُ تَتَنَاوَلُ النَّظْرَ فِي هَذَا الْوَقْفِ كَانَ تَفْوِيضُهُ سَائِبًا وَلَمْ يَجُزْ لِحَاكِمِ آخَرَ نَقْضُ مِثْلِ هَذَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي الْمَالِ وَمُسْتَحِقِّهِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ . وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ حَاكِمَيْنِ وَلَّى أَحَدُهُمَا شَخْصًا وَوَلَّى آخَرُ شَخْصًا : كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُقَدِّمَ أَحَقَّهُمَا بِالْوِلَايَةِ ؛ فَإِنَّ مَنْ عَرَفْت قُوَّتَهُ وَأَمَانَتَهُ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ .
وَسُئِلَ
:
عَنْ النَّاظِرِ مَتَى يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهُ : مِنْ
حِينِ فُوِّضَ إلَيْهِ ؟ أَوْ مِنْ حِينِ مَكَّنَهُ السُّلْطَانُ ؟ أَوْ مِنْ
حِينِ الْمُبَاشَرَةِ ؟
فَأَجَابَ
:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، الْمَالُ الْمَشْرُوطُ لِلنَّاظِرِ
مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فَمَنْ عَمِلَ مَا عَلَيْهِ
يَسْتَحِقُّ مَالَهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ
:
عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ وَقْفٍ مِنْ النَّاظِرِ
عَلَى الْوَقْفِ النَّظْرُ الشَّرْعِيُّ ثَلَاثِينَ سَنَةً بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ
وَأَثْبَتَ الْإِجَارَةَ عِنْدَ حَاكِمٍ مِنْ الْحُكَّامِ وَأَنْشَأَ عِمَارَةً
وَغَرَسَ فِي الْمَكَانِ مُدَّةَ أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ سَافَرَ وَالْمَكَانُ فِي
إجَارَتِهِ وَغَابَ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمَّا حَضَرَ وَجَدَ بَعْضَ
النَّاسِ قَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَادَّعَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا
وَذَلِكَ بِطَرِيقِ شَرْعِيٍّ . فَهَلْ لَهُ نَزْعُ هَذَا الثَّانِي وَطَلَبُهُ
بِتَفَاوُتِ الْأُجْرَةِ .
فَأَجَابَ
: إنْ كَانَ الثَّانِي قَدْ اسْتَأْجَرَ الْمَكَانَ مِنْ غَيْرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ
الْإِيجَارِ وَاسْتَأْجَرَهُ مَعَ بَقَاءِ إجَارَةٍ صَحِيحَةٍ عَلَيْهِ : فَالْإِجَارَةُ
بَاطِلَةٌ وَيَدُهُ يَدٌ عَادِيَّةٌ مُسْتَحِقَّةٌ لِلرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ .
وَإِذَا كَانَ الثَّانِي اسْتَأْجَرَهَا وَتَسَلَّمَهَا وَهِيَ فِي إجَارَةِ
الْأَوَّلِ . فَالْأَوَّلُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ
وَتَسْقُطَ عَنْهُ الْإِجَارَةُ مِنْ حِينِ الْفَسْخِ وَيُطَالِبَ أَهْلَ
الْمَكَانِ بِالْإِجَارَةِ لِهَذَا الثَّانِي الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ ؛ يَطْلُبُونَ
مِنْهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً ؛ وَإِنْ كَانَتْ
صَحِيحَةً طَالَبُوهُ بِالْفَسْخِ وَبَيْنَ إمْضَاءِ الْإِجَارَةِ ؛ وَيُعْطِي
أَهْلَ الْمَكَانِ أُجْرَتَهُمْ ؛ وَيُطَالِبُ الْغَاصِبَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ
مِنْ حِينِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى مَا اسْتَأْجَرَهُ .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ قَوْمٍ وُقِفَ عَلَيْهِمْ حِصَّةٌ مِنْ حَوَانِيتَ
؛ وَبَعْضُهَا وُقِفَ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَتِلْكَ مِلْكًا لِغَيْرِهِمْ
وَشَرَطَ الْوَاقِفُ الْمَذْكُورُ النَّظْرَ فِي ذَلِكَ لِلْأَسَنِّ فَإِذَا
اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي النَّظْرِ . فَتَدَاعَى الْوَقْفُ
الْمَذْكُورُ إلَى الْخَرَابِ فَأَجَّرُوهُ لِمَالِكِيِّ بَاقِي الْحِصَّةِ
مُدَّةَ ثَلَاثِينَ سَنَةً بِأُجْرَةِ حَالَّةٍ وَأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ ؛
وَعَيَّنُوا شُهُودَ الْإِجَارَةِ جَمِيعَ مَا فِي الْحَوَانِيتِ الْمَذْكُورَةِ :
مِنْ خَشَبٍ وَقَصَبٍ وَجَرِيدٍ وَجُدُرٍ وَطُولِهَا وَعَرْضِهَا ؛ وَغَيْرِ
ذَلِكَ . وَذَكَرَ شُهُودُ الْإِجَارَةِ فِيهَا : اعْتَرَفَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ -
الْآخَرَانِ الْمَذْكُورَانِ - بِقَبْضِ الْأُجْرَةِ الْحَالَّةِ بِتَمَامِهَا ؛
وَمَنْ فِي دَرَجَتِهَا . وَمَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ . وَانْتَقَلَ
مَا
كَانَ مِلْكًا لَهُ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَانْتَقَلَ
الْوَقْفُ الْمَذْكُورُ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي : فَهَلْ لِلْبَطْنِ الثَّانِي
أَنْ يَتَسَلَّمُوا الْحَوَانِيتَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ
وَقَدْ اعْتَرَفَ الْآخَرَانِ بِقَبْضِ الْأُجْرَةِ الْحَالَّةِ لِيَصْرِفَاهَا
فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ وَإِعَادَتِهِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ يَلْزَمُهُمْ
إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ الْآخَرَانِ الْمَذْكُورَانِ لَمَّا قَبَضَا
الْأُجْرَةَ صَرَفَاهَا فِي الْعِمَارَةِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِينَ أَوْ مَنْ
انْتَقَلَ إلَيْهِمْ مَا كَانَ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ الْمَنْعُ مِنْ تَسْلِيمِ
الْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْحَوَانِيتِ إلَّا عَلَى صُورَتِهَا الْأُولَى
وَالْحَالَةُ هَذِهِ ؟
فَأَجَابَ
:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، بَلْ مَا كَانَ فِي الْعَرْصَةِ
الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ الْبِنَاءِ بِيَدِ أَهْلِ الْعَرْصَةِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ
بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ أَيْضًا حَتَّى يُقِيمَ أَحَدُهُمْ حُجَّةً شَرْعِيَّةً
بِاخْتِصَاصِهِ بِالْبِنَاءِ وَلَا يَقْبَلُ مُجَرَّدَ دَعْوَى أَحَدِ
الشُّرَكَاءِ فِي الْعَرْصَةِ الِاخْتِصَاصَ بِالْبِنَاءِ سَوَاءٌ كَانَتْ
الْعَرْصَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ وَقْفٍ وَطَلْقٍ أَوْ بَيْنَ طَلْقَتَيْنِ
أَوْ وَقْفَيْنِ . وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ
وَلَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْإِجَارَةِ تَثْبُتُ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الْبِنَاءِ
إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِذَلِكَ حُجَّةً . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَشَرَةِ
أَيَّامٍ أَنَّ جَمِيعَ الْحَانُوتِ وَالْأَعْيَانِ الَّتِي بِهَا وَقْفٌ عَلَى
وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ . وَتُصْرَفُ الْأُجْرَةُ وَالثَّوَابُ مِنْ
مُدَّةٍ تَتَقَدَّمُ عَلَى إقْرَارِهِ هَذَا بِعِشْرِينَ سَنَةً . فَفَعَلَ
بِمُقْتَضَى شَرْطِ إقْرَارِهِ . وَعَيَّنَ النَّاظِرَ الْإِمَامُ بَعْدَ مَوْتِهِ
ثُمَّ عَيَّنَ نَاظِرًا آخَرَ مِنْ غَيْرِ عَزْلِ الْإِمَامِ النَّاظِرَ
الْأَوَّلَ فَصَرَفَ أَحَدُ النَّاظِرَيْنِ عَلَى ثُبُوتِ الْوَقْفِ مَا جَرَتْ
الْعَادَةُ بِصَرْفِهِ عَلَى ثُبُوتِ مِثْلِهِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَصْرِفَ إلَى مُسْتَحِقِّي الرِّيعِ شَيْئًا . فَهَلْ تَجِبُ الْأُجْرَةُ
مِنْ الرِّيعِ ؟ أَمْ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْمُقِرِّ بِالْوَقْفِ
الْمَذْكُورِ ؟ وَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَارُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِسَبَبِ
اشْتِغَالِهَا بِمَالِ الْوَرَثَةِ فَهَلْ تَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ
تِلْكَ الْمُدَّةَ ؟ وَهَلْ تَفُوتُ الْأُجْرَةُ السَّابِقَةُ فِي ذِمَّةِ
الْمَيِّتِ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ بِالْمُدَّةِ الْأُولَى وَيَرْجِعُ بِهَا فِي
تَرِكَتِهِ ؟ وَهَلْ إذَا عَيَّنَ نَاظِرًا ثُمَّ عَيَّنَ نَاظِرًا آخَرَ يَكُونُ
عَزْلًا لِلْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِعَزْلِهِ ؟ أَمْ
يَشْتَرِكَانِ فِي النَّظْرِ ؟ وَهَلْ إذَا عَلِمَ الشُّهُودُ ثُبُوتَ الْمَالِ
فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ يَحِلُّ كَتْمُهُ أَمْ لَا .
فَأَجَابَ
:
لَيْسَتْ أُجْرَةُ إثْبَاتِ الْوَقْفِ وَالسَّعْيِ فِي
مَصَالِحِهِ مِنْ تَرِكَةِ
الْمَيِّتِ فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمُقَرِّ بِهِ كُلِّهِ مُسْتَحِقٌّ لِلْوَرَثَةِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ رَفْعُ أَيْدِيهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَتَمْكِينُ النَّاظِرِ مِنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ السَّعْيُ وَلَا أُجْرَةُ ذَلِكَ . وَأَمَّا الْعَيْنُ الْمُقَرُّ بِهَا إذَا انْتَفَعَ بِهَا الْوَرَثَةُ أَوْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا بِحَيْثُ يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا فَعَلَيْهِمْ أُجْرَةُ الْمَنْفَعَةِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ مَنَافِعَ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ . وَالنِّزَاعُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ . وَإِقْرَارُ الْمَيِّتِ بِأَنَّهَا وَقْفٌ مِنْ الْمُدَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَيْسَ بِصَرِيحِ فِي أَنَّهُ كَانَ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْغَصْبِ وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ بِالِاحْتِمَالِ . وَأَمَّا تَعْيِينُ نَاظِرٍ بَعْدَ آخَرَ فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِ مِثْلِ هَذَا الْوَقْفِ وَعَادَةِ أَمْثَالِهِ فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الْعَادَةِ رُجُوعًا كَانَ رُجُوعًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَقْتَضِي انْفِرَادَ الثَّانِي بِالتَّصَرُّفِ وَإِلَّا فَقَدْ عَرَفْت الْمَسْأَلَةَ وَهِيَ مَا إذَا وَصَّى بِالْعَيْنِ لِشَخْصِ ثُمَّ وَصَّى بِهَا لِآخَرَ : هَلْ يَكُونُ رُجُوعًا أَمْ لَا ؟ وَمَا عَلِمَهُ الشُّهُودُ مِنْ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ يَصِلُ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِشَهَادَتِهِمْ لَمْ يَكْتُمُوهَا وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَصِلُ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَيِّنُوا وَاحِدًا مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِتَأْوِيلِ وَاجْتِهَادٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَيْضًا نَزْعُهُ مِنْ يَدِهِ بَلْ يُعَانُ الْمُتَأَوِّلُ الْمُجْتَهِدُ عَلَى مَنْ لَا تَأْوِيلَ لَهُ وَلَا اجْتِهَادَ .
وَسُئِلَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ صُورَةِ كِتَابِ وَقْفٍ نَصُّهُ : هَذَا مَا
وَقَفَهُ عَامِرُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَامِرٍ عَلَى أَوْلَادِهِ : عَلِيٌّ وَطَرِيفَةُ
؛ وَزُبَيْدَةُ . بَيْنَهُمْ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ ؛ ثُمَّ عَلَى
أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ ؛ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى
أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ . ثُمَّ عَلَى نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ مِنْ
بَعْدِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ
عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ الْمَذْكُورِينَ ؛ وَأَوْلَادِ
أَوْلَادِهِمْ ؛ وَنَسْلِهِمْ . وَعَقِبِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ : عَنْ وَلَدٍ ؛
أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ ؛ وَنَسْلٍ ؛ أَوْ عَقِبٍ وَإِنْ سَفَلَ : كَانَ مَا كَانَ
مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ؛ رَاجِعًا إلَى وَلَدِهِ ؛ وَوَلَدِ وَلَدِهِ ؛ وَنَسْلِهِ ؛
وَعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ ؛ وَإِنْ سَفَلَ . كُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْفَرِيضَةِ
الشَّرْعِيَّةِ . وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ
وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ - وَإِنْ بَعُدَ - كَانَ مَا كَانَ مَوْقُوفًا
عَلَيْهِ رَاجِعًا إلَى مَنْ هُوَ فِي طَبَقَتِهِ وَأَهْلِ دَرَجَتِهِ مِنْ أَهْلِ
الْوَقْفِ : عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ ؛ ثُمَّ عَلَى جِهَاتٍ ذَكَرَهَا
فِي كِتَابِ الْوَقْفِ - وَالْمَسْئُولُ مِنْ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ أَنْ
يَتَأَمَّلُوا شَرْطَ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ - ثُمَّ تُوُفِّيَ عَنْ بِنْتَيْنِ
فَتَنَاوَلَتَا مَا انْتَقَلَ إلَيْهِمَا عَنْهُ ؛ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ إحْدَاهُمَا
عَنْ ابْنٍ وَابْنَةِ ابْنٍ .
فَهَلْ
يَشْتَرِكَانِ فِي نَصِيبِهَا ؛ أَمْ يَخْتَصُّ بِهِ الِابْنُ دُونَ ابْنَةِ الِابْنِ
؟ ثُمَّ إنَّ الِابْنَ الْمَذْكُورَ تُوُفِّيَ عَنْ ابْنٍ : هَلْ يَخْتَصُّ بِمَا
كَانَ جَارِيًا عَلَى أَبِيهِ دُونَ ابْنَةِ الِابْنِ ؟ وَهَلْ يَقْتَضِي شَرْطُ
الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ تَرْتِيبَ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ ؟ أَوْ
الْأَفْرَادَ عَلَى الْأَفْرَادِ .
فَأَجَابَ
:
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا قَوْلَانِ عِنْدَ
الْإِطْلَاقِ مَعْرُوفَانِ لِلْفُقَهَاءِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَد
وَغَيْرِهِ ؛ وَلَكِنَّ الْأَقْوَى أَنَّهَا لِتَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ عَلَى
الْأَفْرَادِ وَأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يَقُومُ مَقَامَ أَبِيهِ لَوْ كَانَ
الِابْنُ مَوْجُودًا مُسْتَحِقًّا قَدْ عَاشَ بَعْدَ مَوْتِ الْجَدِّ وَاسْتَحَقَّ
أَوْ عَاشَ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ لِمَانِعِ فِيهِ أَوْ لِعَدَمِ قَبُولِهِ
لِلْوَقْفِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعِشْ بَلْ مَاتَ فِي حَيَاةِ
الْجَدِّ . وَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ
؛ وَهِيَ تَقْتَضِي تَوْزِيعَ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ كَمَا فِي قَوْلِهِ
{ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ مَا
تَرَكَتْ زَوْجَتُهُ ؛ وَقَوْلُهُ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } أَيْ
حُرِّمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أُمُّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ . كَذَلِكَ قَوْلُهُ : عَلَى
أَوْلَادِهِمْ ؛ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ أَيْ : عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ
بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ . وَأَمَّا فِي هَذِهِ فَقَدْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِأَنَّهُ
مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ ؛ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي
أَنَّهُ لِتَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ ؛ فَلَمْ يَبْقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
نِزَاعٌ . وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي أَنَّ الْوَلَدَ إذَا مَاتَ فِي حَيَاةِ
أَبِيهِ وَلَهُ وَلَدٌ ؛ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْ وَلَدٍ آخَرَ وَعَنْ وَلَدِ
الْوَلَدِ الْأَوَّلِ : هَلْ يَشْتَرِكَانِ ؟ أَوْ يَنْفَرِدُ بِهِ الْأَوَّلُ ؟
الْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ مُسْتَحِقٌّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ - سَوَاءٌ كَانَ عَمُّهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا - فَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ إذًا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْأَبِ كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي تَرْتِيبِ الْعَصَبَةِ : إنَّهُمْ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ أَبُوهُ ؛ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ بَنُو الْعَمِّ ؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْأُولَى . فَمَتَى كانت الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً وَالْأُولَى لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا اسْتَحَقَّتْ الثَّانِيَةُ ؛ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُولَى اسْتَحَقَّتْ أَوْ لَمْ تَسْتَحِقَّ وَلَا يُشْتَرَطُ لِاسْتِحْقَاقِ الثَّانِيَةِ اسْتِحْقَاقُ الْأُولَى ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ تَتَلَقَّى الْوَقْفَ مِنْ الْوَاقِفِ لَا مِنْ الثَّانِيَةِ فَلَيْسَ هُوَ كَالْمِيرَاثِ الَّذِي يَرِثُهُ الِابْنُ ؛ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى ابْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ كَالْوَلَاءِ الَّذِي يُوَرَّثُ بِهِ فَإِذَا كَانَ ابْنُ الْمُعْتَقِ قَدْ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمُعْتَقِ ؛ وَرِثَ الْوَلَاءَ ابْنُ ابْنِهِ . وَإِنَّمَا يَغْلَطُ مَنْ يَغْلَطُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَ يَظُنُّ أَنَّ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ تَتَلَقَّى مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا ؛ فَإِنْ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُولَى شَيْئًا لَمْ تَسْتَحِقَّ الثَّانِيَةُ . ثُمَّ يَظُنُّونَ أَنَّ الْوَالِدَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَسْتَحِقَّ ابْنُهُ ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ بَلْ هُمْ يَتَلَقَّوْنَ مِنْ الْوَاقِفِ ؛ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأُولَى مَحْجُوبَةً بِمَانِعِ مِنْ الْمَوَانِعِ : مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ فِي الْمُسْتَحِقِّينَ أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ أَوْ عُلَمَاءَ أَوْ عُدُولًا ؛ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْأَبُ مُخَالِفًا لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَابْنُهُ مُتَّصِفًا بِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِابْنُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَبُوهُ . كَذَلِكَ إذَا مَاتَ
الْأَبُ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ ابْنُهُ . وَهَكَذَا جَمِيعُ التَّرْتِيبِ فِي الْحَضَانَةِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْمَالِ وَتَرْتِيبِ عَصَبَةِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ فِي الْمِيرَاثِ وَسَائِرِ مَا جُعِلَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِيهِ طَبَقَاتٍ وَدَرَجَاتٍ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى مَا ذُكِرَ . وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْوَاقِفُونَ إذَا سُئِلُوا عَنْ مُرَادِهِمْ . وَمَنْ صَرَّحَ مِنْهُمْ بِمُرَادِهِ فَإِنَّهُ يُصَرِّحُ بِأَنْ وَلَدَ الْوَلَدِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مَا يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا لَا سِيَّمَا وَالنَّاسُ يَرْحَمُونَ مَنْ مَاتَ وَالِدُهُ وَلَمْ يَرِثْ حَتَّى إنَّ الْجَدَّ قَدْ يُوصِي لِوَلَدِ وَلَدِهِ ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ نِسْبَةَ هَذَا الْوَلَدِ وَنِسْبَةَ وَلَدِ ذَلِكَ الْوَلَدِ إلَى الْجَدِّ سَوَاءٌ . فَكَيْفَ يَحْرِمُ وَلَدَ وَلَدِهِ الْيَتِيمَ وَيُعْطِي وَلَدَ وَلَدِهِ الَّذِي لَيْسَ بِيَتِيمِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقْصِدُهُ عَاقِلٌ . وَمَتَى لَمْ نَقُلْ بِالتَّشْرِيكِ بَقِيَ الْوَقْفُ فِي هَذَا الْوَلَدِ وَوَلَدِهِ ؛ دُونَ ذُرِّيَّةِ الْوَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ
:
عَنْ امْرَأَةٍ أَوْقَفَتْ وَقْفًا عَلَى تُرْبَتِهَا
بَعْدَ مَوْتِهَا وَأَرْصَدَتْ لِلْمُقْرِئِينَ شَيْئًا مَعْلُومًا وَمَا يَفْضُلُ
عَنْ ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَإِنَّ لَهَا قَرَابَةً :
خَالَهَا قَدْ افْتَقَرَ وَاحْتَاجَ ؛ وَانْقَطَعَ عَنْ الْخَدَمِ وَأَنَّ
النَّاظِرَ لَمْ يَصْرِفْ لَهُ مَا يَقُومُ بِأَوْدِهِ . فَهَلْ يَجِبُ إلْزَامُ
النَّاظِرِ بِمَا يَقُومُ بِأَوْدِ الْقَرَابَةِ وَدَفْعِ حَاجَتِهِ دُونَ
غَيْرِهِ ؟ .
فَأَجَابَ
:
إذَا كَانَ لِلْمُوقِفَةِ قَرَابَةٌ مُحْتَاجٌ
كَالْخَالِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْفَقِيرِ الْمُسَاوِي لَهُ فِي
الْحَاجَةِ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ .
وَإِذَا اتَّسَعَ الْوَقْفُ لِسَدِّ حَاجَتِهِ سَدَّتْ
حَاجَتَهُ مِنْهُ .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ أَوْقَافٍ بِبَلَدِ عَلَى أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ :
مِنْ مَدَارِسَ ؛ وَمَسَاجِدَ وَخُوَانِكَ ؛ وَجَوَامِعَ ؛ وَمَارَسْتَانَات ؛
وَرُبُطٍ ؛ وَصَدَقَاتٍ وَفِكَاكِ أَسْرَى مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ . وَبَعْضُهَا
لَهُ نَاظِرٌ خَاصٌّ وَبَعْضُهَا لَهُ نَاظِرٌ مِنْ جِهَةِ
وَلِيِّ
الْأَمْرِ وَقَدْ أَقَامَ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ
دِيوَانًا يَحْفَظُونَ أَوْقَافَهُ ؛ وَيَصْرِفُونَ رِيعَهُ فِي مَصَارِفِهِ
وَرَأَى النَّاظِرُ أَنَّ يُفْرِزَ لِهَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ مُسْتَوْفِيًا
يَسْتَوْفِي حِسَابَ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ - يَعْنِي الْأَوْقَافَ كُلَّهَا -
وَيَنْظُرُ فِي تَصَرُّفَاتِ النُّظَّارِ وَالْمُبَاشِرِينَ ؛ وَيُحَقِّقُ
عَلَيْهِمْ مَا يَجِبُ تَحْقِيقُهُ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمَصْرُوفَةِ وَالْبَاقِي
؛ وَضَبَطَ ذَلِكَ عِنْدَهُ ؛ لِيَحْفَظَ أَمْوَالَ الْأَوْقَافِ عِنْدَ
اخْتِلَافِ الْأَيْدِي ؛ وَتَغْيِيرِ الْمُبَاشِرِينَ وَيَظْهَرُ بِمُبَاشَرَتِهِ
مُحَافَظَةُ بَعْضِ الْعُمَّالِ عَلَى فَائِدَةٍ . فَهَلْ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ
أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إذَا رَأَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا صَارَ
الْآنَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَقَرَّرَ الْمَذْكُورُ
وَقَرَّرَ لَهُ مَعْلُومًا يَسِيرًا عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ لَا يَصِلُ إلَى
رِيعٍ مَعْلُومٍ أَحَدُ الْمُبَاشِرِينَ لَهَا وَدُونَ ذَلِكَ بِكَثِيرِ لِمَا
يَظْهَرُ لَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ . فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ سَائِغًا ؟
وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَوْفِي الْمَذْكُورُ تَنَاوُلَ مَا قُرِّرَ لَهُ أَمْ
لَا إذَا قَامَ بِوَظِيفَتِهِ ؟ وَإِذَا كَانَتْ وَظِيفَتُهُ اسْتِرْجَاعُ
الْحِسَابِ عَنْ كُلِّ سَنَةٍ عَلَى حُكْمِ أَوْضَاعِ الْكِتَابِ ؛ وَوَجَدَ
ارْتِفَاعَ حِسَابِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ فَتَصَرَّفَ وَعَمِلَ فِيهِ وَظِيفَتَهُ
. هَلْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَ الْمُدَّةِ الَّتِي اسْتَرْجَعَ حِسَابَهُمْ فِيهَا
وَقَامَ بِوَظِيفَتِهِ بِذَلِكَ الْحِسَابِ ؟ .
فَأَجَابَ
:
نَعَمْ ، لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَنْصِبَ دِيوَانًا
مُسْتَوْفِيًا لِحِسَابِ الْأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ كَمَا
لَهُ أَنْ يَنْصِبَ الدَّوَاوِينَ مُسْتَوْفِيًا لِحِسَابِ الْأَمْوَالِ
السُّلْطَانِيَّةِ : كَالْفَيْءِ ؛ وَغَيْرِهِ . وَلَهُ أَنْ يُفْرَضَ لَهُ عَلَى
عَمَلِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِثْلُهُ
:
مِنْ كُلِّ مَالٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْمَالِ وَاسْتِيفَاءِ الْحِسَابِ وَضَبْطِ مَقْبُوضِ الْمَالِ وَمَصْرُوفِهِ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي لَهُ أَصْلٌ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } وَفِي الصَّحِيحِ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا رَجَعَ حَاسَبَهُ } وَهَذَا أَصْلٌ فِي مُحَاسَبَةِ الْعُمَّالِ الْمُتَفَرِّقِينَ . وَالْمُسْتَوْفِي الْجَامِعُ نَائِبُ الْإِمَامِ فِي مُحَاسَبَتِهِمْ وَلَا بُدَّ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَمُحَاسَبَتِهِمْ مِنْ دِيوَانٍ جَامِعٍ . وَلِهَذَا لَمَّا كَثُرَتْ الْأَمْوَالُ عَلَى عَهْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَضَعَ " الدَّوَاوِينَ " دِيوَانَ الْخَرَاجِ وَهُوَ دِيوَانُ الْمُسْتَخْدِمِينَ عَلَى الِارْتِزَاقِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ عُثْمَانَ بْنَ حنيف . وَدِيوَانُ النَّفَقَاتِ وَهُوَ دِيوَانُ الْمَصْرُوفِ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ الَّذِي يُشْبِهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ دِيوَانَ الْحَبْسِ والثبوتات وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ . وَكَذَلِكَ الْأَمْوَالُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ مِنْ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ إجْرَاؤُهَا عَلَى الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ الْمُوَافِقَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ وَإِقَامَةِ الْعُمَّالِ عَلَى مَا لَيْسَ عَلَيْهِ عَامِلٌ مِنْ جِهَةِ النَّاظِرِ . وَالْعَامِلُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ يَدْخُلُ فِيهِ الَّذِي يُسَمَّى نَاظِرًا وَيُدْخَلُ فِيهِ غَيْرُ النَّاظِرِ لِقَبْضِ الْمَالِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ صَرْفُهُ وَدَفْعُهُ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ ؛ لِقَوْلِهِ { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } . وَنَصْبُ الْمُسْتَوْفِي الْجَامِعِ لِلْعُمَّالِ الْمُتَفَرِّقِينَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ . وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا إذَا لَمْ تَتِمَّ مَصْلَحَةُ قَبْضِ الْمَالِ وَصَرْفُهُ إلَّا بِهِ فَإِنَّ مَا لَا
يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ . وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ عِنْدَ قِلَّةِ الْعَمَلِ وَمُبَاشَرَةِ الْإِمَامِ لِلْمُحَاسَبَةِ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ لِلْحَاكِمِ عَلَيْهِ أَنْ يُنَصِّبَ حَاكِمًا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ إذَا لَمْ تَصِلْ الْحُقُوقُ إلَى مُسْتَحِقِّهَا أَوْ لَمْ يَتِمَّ فِعْلُ الْوَاجِبِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِهِ . وَقَدْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْإِمَامُ إذَا أَمْكَنَهُ مُبَاشَرَةُ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ . { وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ الْحُكْمَ وَاسْتِيفَاءَ الْحِسَابِ بِنَفْسِهِ } وَفِيمَا بَعُدَ عَنْهُ يُوَلِّي مَنْ يَقُومُ بِالْأَمْرِ وَلَمَّا كَثُرَتْ الرَّعِيَّةُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْخُلَفَاءِ اسْتَعْمَلُوا الْقُضَاةَ وَدَوَّنُوا الدَّوَاوِينَ فِي أَمْصَارِهِمْ وَغَيْرِهِمَا فَكَانَ عُمَرَ يَسْتَنِيبُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَالدِّيوَانِ . وَكَانَ بِالْكُوفَةِ قَدْ اسْتَعْمَلَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ : مِثْلَ نَائِبِ السُّلْطَانِ وَالْخَطِيبِ فَإِنَّ السُّنَّةَ كَانَتْ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ أَمِيرُ حَرْبِهِمْ . وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَبَيْتِ الْمَالِ وَاسْتَعْمَلَ عُثْمَانَ بْنَ حنيف عَلَى دِيوَانِ الْخَرَاجِ . وَإِذَا قَامَ الْمُسْتَوْفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ اسْتَحَقَّ مَا فُرِضَ لَهُ وَالْجُعْلَ الَّذِي سَاغَ لَهُ فَرْضُهُ . وَإِذَا عَمِلَ هَذَا وَلَمْ يُعْطَ جُعْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ عَلَى الْعَمَلِ الْخَاصِّ فَإِنَّ مَا وَجَبَ بِطَرِيقِ الْمُعَامَلَةِ يَجِبُ .
وَسُئِلَ
:
عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قِطَعَ أَرْضِ وَقْفٍ ؛
وَغَرَسَ فِيهَا غِرَاسًا وَأَثْمَرَ ؛ وَمَضَتْ مُدَّةٌ لِلْإِيجَارِ ؛ فَأَرَادَ
نُظَّارُ الْوَقْفِ قَلْعَ الْغِرَاسِ . فَهَلْ لَهُمْ ذَلِكَ ؟ أَوْ أُجْرَةُ
الْمِثْلِ ؟ وَهَلْ يُثَابُ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَلَى مُسَاعَدَتِهِ ؟
فَأَجَابَ
:
لَيْسَ لِأَهْلِ الْأَرْضِ قَلْعُ الْغِرَاسِ ؛ بَلْ
لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ تَمَلُّكُ الْغِرَاسِ
بِقِيمَتِهِ ؛ أَوْ ضَمَانُ نَقْصِهِ إذَا قُلِعَ . وَمَا دَامَ بَاقِيًا فَعَلَى
صَاحِبِهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ . وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُ الظَّالِمِ مِنْ ظُلْمِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ رَجُلٍ مُتَوَلِّي إمَامَةِ مَسْجِدٍ وَخَطَابَتِهِ
؛ وَنَظْرِ وَقْفِهِ : مِنْ سِنِينَ مَعْدُودَةٍ بِمَرْسُومِ وَلِيِّ الْأَمْرِ
وَلَهُ مُسْتَحَقٌّ بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ فَهَلْ لِنُظَّارِ وَقْفٍ
آخَرَ أَنْ يَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَقْفِ ؛ أَوْ يَتَصَرَّفُوا
فِيهِ بِدُونِ هَذَا النَّاظِرِ ؛ وَأَنْ يَصْرِفُوا مَالَ الْمَسْجِدِ
الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ ؛ أَوْ يَمْنَعُوا مَا قُدِّرَ لَهُ عَلَى
ذَلِكَ . وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا الْوَقْفَ كَانَ فِي دِيوَانِ أُولَئِكَ مِنْ
مُدَّةٍ ثُمَّ
أَخْرَجَهُ
وَلِيُّ الْأَمْرِ ؛ وَجَعَلَهُ لِلْإِمَامِ الْخَطِيبِ : فَهَلْ لَهُمْ ذَلِكَ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْ
يَتَصَرَّفُوا فِيهِ وَيَمْنَعُوهُ التَّصَرُّفَ مَعَ بَقَاءِ وِلَايَتِهِ ؟
وَهَلْ إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ مُتَعَدٍّ وَصَرَفَ مِنْهُ شَيْئًا إلَى غَيْرِهِ
مَعَ حَاجَةِ الْإِمَامِ وَقِيَامِ الْمَصَالِحِ وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ -
وَالْحَالَةُ هَذِهِ - يُقْدَحُ فِي دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ أَمْ لَا .
فَأَجَابَ
:
لَيْسَ لِنَاظِرِ غَيْرَ النَّاظِرِ الْمُتَوَلِّي هَذَا
الْوَقْفِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ
؛ لَا نُظَّارُ وَقْفٍ آخَرَ وَلَا غَيْرُهُمْ ؛ سَوَاءٌ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ
مُتَوَلِّينَ نَظْرَهُ أَوْ لَمْ يَكُونُوا مُتَوَلِّينَ نَظْرَهُ وَلَا لَهُمْ
أَنْ يَصْرِفُوا مَالَ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ جِهَاتِهِ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا
- وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ - بَلْ يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ مَا
يَسْتَحِقُّونَهُ كَامِلًا ؛ وَلَا يُنْقِصُونَ مِنْ مُسْتَحَقِّهِمْ لِأَجْلِ
أَنْ يَصْرِفُوا الْفَاضِلَ إلَى وَقْفٍ آخَرَ ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا نِزَاعَ فِي
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ وَإِنَّمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ صَرْفِ
الْفَاضِلِ وَمَنْ جَوَّزَهُ فَلَمْ يُجَوِّزْ لِغَيْرِ النَّاظِرِ الْمُتَوَلِّي
أَنْ يَسْتَقِلَّ بِذَلِكَ وَمَنْ أَصَرَّ عَلَى صَرْفِ مَالٍ لِغَيْرِ
مُسْتَحَقِّهِ وَمَنَعَ الْمُسْتَحِقَّ قُدِحَ فِي دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ .
وَسُئِلَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ وَاقِفٍ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ .
فَهَلْ يَجُوزُ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يَصْرِفَ جَمِيعَ رِيعِهِ إلَى ثَلَاثَةٍ
- وَالْحَالَةُ هَذِهِ - أَمْ لَا ؛ وَإِنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ إلَى ثَلَاثَةٍ ؛
وَكَانَ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ فَقِيرٌ - ثَبَتَ فَقْرُهُ وَاسْتِحْقَاقُهُ
لِلصَّرْفِ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ - فَهَلْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ عِوَضًا عَنْ
أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الْأَجَانِبِ مِنْ الْوَاقِفِ ؛ وَإِذَا جَازَ الصَّرْفُ
إلَيْهِ : فَهَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّيْنِ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِمَا ؟
وَإِذَا كَانَ أَوْلَى : فَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَصْرِفَ إلَى قَرِيبِ الْوَاقِفِ
الْمَذْكُورِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ مِنْ الْوَقْفِ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - وَإِذَا جَازَ
لَهُ ذَلِكَ : فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنْ أَنْ
يَنْقُصَ مِنْ كِفَايَتِهِ ؛ وَيَصْرِفُ ذَلِكَ الْقَدْرِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ -
وَالْحَالَةُ هَذِهِ .
فَأَجَابَ
:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، يَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ
أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَصْرِفِهِ ؛ فَيُقَدِّمُ الْأَحَقَّ ؛ فَالْأَحَقَّ .
وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الشَّرْعِيَّةَ اقْتَضَتْ صَرْفَهُ إلَى
ثَلَاثَةٍ مِثْلَ أَنْ لَا يَكْفِيَهُمْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ ؛ فَلَا يُدْخِلُ
غَيْرَهُمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ .
وَإِذَا كَفَاهُمْ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ
يُدْخِلُ الْفُقَرَاءَ مَعَهُمْ ؛ وَيُسَاوِيهِمْ مِمَّا يَحْصُلُ مِنْ رِيعِهِ
وَهُمْ أَحَقُّ مِنْهُ عِنْدَ التَّزَاحُمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَأَقَارِبُ
الْوَاقِفِ
الْفُقَرَاءِ أَوْلَى مِنْ الْفُقَرَاءِ الْأَجَانِبِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْحَاجَةِ
. وَيَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ إلَيْهِ كِفَايَتَهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ هُوَ
أَحَقُّ مِنْهُ . وَإِذَا قُدِّرَ وُجُودُ فَقِيرٍ مُضْطَرٌّ كَانَ دَفْعُ ضَرُورَتِهِ
وَاجِبًا . وَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِتَنْقِيصِ كِفَايَةِ أُولَئِكَ مِنْ
هَذَا الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ رَجُلٍ وَلَّى ذَا شَوْكَةٍ عَلَى وَقْفٍ مِنْ
مَسَاجِدَ وَرُبُطٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى دِينِهِ وَعِلْمًا
بِقَصْدِهِ لِلْمَصْلَحَةِ . فَعِنْدَ تَوْلِيَتِهِ - وَجَدَ تِلْكَ الْوُقُوفَ
عَلَى غَيْرِ سَنَنٍ مُسْتَقِيمٍ وَيَتَعَرَّضُ إلَيْهَا - كُرِهَ مُبَاشَرَتُهَا
؛ لِئَلَّا يَقَعَ الطَّمَعُ فِي مَالِهَا وَغَيْرُ مُلْتَفِتِينَ إلَى صَرْفِهَا
فِي اسْتِحْقَاقِهَا . وَهُمْ مِثْلُ الْقَاضِي وَالْخَطِيبِ وَإِمَامِ الْجَامِعِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْ عُمُومِ الْوَقْفِ وَهُوَ مَعَ
هَذَا عَاجِزٌ عَنْ صَدِّ التَّعَرُّضِ عَنْهَا وَمَعَ اجْتِهَادِهِ فِيهَا
وَمُبَالَغَتِهِ . فَهَلْ يَحِلُّ لِلسَّائِلِ عَزْلُ نَفْسِهِ عَنْهَا وَعَنْ
الْقِيَامِ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَصَالِحِهَا ؛ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ
بِأُجْرَةِ يَكْثُرُ التَّعَرُّضُ فِيهَا وَالطَّمَعُ فِي مَالِهَا . وَهَلْ
يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُ أُجْرَةِ عَمَلِهِ مِنْهَا مَعَ كَوْنِهِ ذَا عَائِلَةٍ
وَعَاجِزًا عَنْ تَحْصِيلِ قُوتِهِمْ مِنْ غَيْرِهَا ؟ وَهَلْ يَحِلُّ لِلنَّاظِرِ
إذَا وَجَدَ مَكَانًا خَرِبًا أَنْ يَصْرِفَ
مَالَهُ
فِي مَصْلَحَةِ غَيْرِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِهِ بِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ مَا يُتَصَوَّرُ
أَنْ تَقُومَ بِعِمَارَتِهِ ؟ وَهَلْ إذَا فَضَلَ عَنْ جِهَتِهِ شَيْءٌ مِنْ مِلْكِهَا
صَرَفَهُ إلَى مُهِمٍّ غَيْرِهِ وَعِمَارَةٍ لَازِمَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَحْفَظَهُ
لِكَثْرَةِ التَّعَرُّضِ إلَيْهِ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ
:
أَصْلُ هَذِهِ إنَّمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ
طَاعَتِهِ وَتَقْوَاهُ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
} وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } .
وَلِهَذَا جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ عِنْدَ تَعَارُضِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ
بِتَحْصِيلِ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا وَبِاحْتِمَالِ
أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْلَاهُمَا . فَمَتَى لَمْ يَنْدَفِعْ
الْفَسَادُ الْكَبِيرُ عَنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ وَمَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ
إلَّا بِمَا ذُكِرَ - مِنْ احْتِمَالِ الْمَفْسَدَةِ الْقَلِيلَةِ - كَانَ ذَلِكَ
هُوَ الْوَاجِبَ شَرْعًا . وَإِذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ
فَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ ضَرَرٍ أَوْجَبَ الْتِزَامَهُ أَوْ
مُزَاحَمَةَ مَا هُوَ أَوْجَبُ مِنْ ذَلِكَ . وَلَهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ
مَعَ الْحَاجَةِ تَنَاوُلُ أُجْرَةِ عَمَلِهِ فِيهَا ؛ بَلْ قَدْ جَوَّزَهُ مَنْ
جَوَّزَهُ مَعَ الْغِنَى أَيْضًا كَمَا جَوَّزَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَامِلِينَ
عَلَى الصَّدَقَاتِ الْأَخْذَ مَعَ الْغِنَى عَنْهَا . وَإِذَا خَرِبَ مَكَانٌ
مَوْقُوفٌ فَتَعَطَّلَ نَفْعُهُ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي نَظِيرِهِ أَوْ
نُقِلَتْ إلَى نَظِيرِهِ وَكَذَلِكَ إذَا خَرِبَ بَعْضُ الْأَمَاكِنِ الْمَوْقُوفِ
عَلَيْهَا
- كَمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ - عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ عِمَارَتُهُ
فَإِنَّهُ يُصْرَفُ رِيعُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ . وَمَا فَضَلَ مِنْ
رِيعِ وَقْفٍ عَنْ مَصْلَحَتِهِ صُرِفَ فِي نَظِيرِهِ أَوْ مَصْلَحَةِ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِهِ وَلَمْ يَحْبِسْ الْمَالَ دَائِمًا بِلَا
فَائِدَةٍ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كُلَّ عَامٍ يُقَسِّمُ كُسْوَةَ
الْكَعْبَةِ بَيْنَ الْحَجِيجِ ؛ وَنَظِيرُ كُسْوَةِ الْكَعْبَةِ الْمَسْجِدُ
الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ الْحُصْرِ وَنَحْوِهَا وَأَمَرَ بِتَحْوِيلِ مَسْجِدِ
الْكُوفَةِ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ حَتَّى صَارَ مَوْضِعُ الْأَوَّلِ سُوقًا .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ الْوَقْفِ الَّذِي أُوقِفَ عَلَى الْأَشْرَافِ
وَيَقُولُ : إنَّهُمْ أَقَارِبُ :
هَلْ الْأَقَارِبُ شُرَفَاءُ أَمْ غَيْرُ شُرَفَاءَ ؟
وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلُوا شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ
:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى أَهْلِ
بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ
الْبَيْتِ : كَالْعَلَوِيِّينَ وَالْفَاطِمِيِّينَ أَوْ الطالبيين الَّذِينَ يَدْخُلُ
فِيهِمْ بَنُو جَعْفَرٍ ؛ وَبَنُو عَقِيلٍ . أَوْ عَلَى الْعَبَّاسِيِّينَ
وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَنْ كَانَ نَسَبُهُ
صَحِيحًا ثَابِتًا . فَأَمَّا مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ
أَنَّهُ مِنْهُمْ ؛ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ : فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ
هَذَا الْوَقْف وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْهُمْ : كَبَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ ؛ فَإِنَّ أَهْلَ
الْعِلْمِ
بِالْأَنْسَابِ وَغَيْرَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ نَسَبٌ صَحِيحٌ . وَقَدْ شَهِدَ بِذَلِكَ طَوَائِفُ
أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ وَالْأَنْسَابِ
وَثَبَتَ فِي ذَلِكَ مَحَاضِرُ شَرْعِيَّةٌ . وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي كُتُبٍ
عَظِيمَةٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ ذَلِكَ مِمَّا تَوَاتَرَ عِنْدَ أَهْلِ
الْعِلْمِ . وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَفَ عَلَى " الْأَشْرَافِ " فَإِنَّ
هَذَا اللَّفْظَ فِي الْعُرْفِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا مَنْ كَانَ صَحِيحَ
النَّسَبِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَمَّا إنْ وَقَفَ وَاقِفٌ عَلَى بَنِي فُلَانٍ ؛ أَوْ أَقَارِبَ فُلَانٍ ؛
وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لِأَهْلِ
الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ وَكَانَ الْمَوْقُوفُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ يَصِحُّ
وَقْفُهُ فِي ذُرِّيَّةِ الْمُعَيَّنِ : لَمْ يَدْخُلْ بَنُو هَاشِمٍ فِي هَذَا
الْوَقْفِ .
وَسُئِلَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - :
عَنْ رَجُلٍ بِيَدِهِ مَسْجِدٌ بِتَوَاقِيعِ إحْيَاءِ سُنَّةٍ
شَرْعِيَّةٍ بِحُكْمِ نُزُولِ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ تَوْقِيعًا بِالنُّزُولِ
ثَابِتًا بِالْحُكَّامِ ثُمَّ إنَّ وَلَدَ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ الْمَسْجِدُ
أَوَّلًا تَعَرَّضَ لِمَنْ بِيَدِهِ الْمَسْجِدُ الْآنَ وَطَلَبَ مُشَارَكَتَهُ .
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُسْتَنَدٌ شَرْعِيٌّ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ وَالِدِهِ .
فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَلْجَأَ إلَى الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ؟
فَأَجَابَ
: الْحَمْدُ لِلَّهِ . لَا يَجُوز إلْزَامُ إمَامِ مَسْجِدٍ عَلَى
الْمُشَارَكَةِ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - وَلَا التَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا ؛ أَوْ
عَزْلُهُ بِمُجَرَّدِ مَا ذَكَرَ : مِنْ كَوْنِ أَبِيهِ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ
فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ يَجِبُ أَنْ يُوَلَّى فِيهَا الْأَحَقُّ شَرْعًا وَهُوَ
الْأَقْرَأُ لِكِتَابِ اللَّهِ ؛ وَالْأَعْلَمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْبَقُ إلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ : مِثْلَ
أَنْ يَكُونَ أَسْبَقَ هِجْرَةً ؛ أَوْ أَقْدَمَ سِنًّا . فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْأَحَقُّ
هُوَ الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَزْلُهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ
:
عَنْ مَدْرَسَةٍ وُقِفَتْ عَلَى الْفُقَهَاءِ
وَالْمُتَفَقِّهَةِ الْفُلَانِيَّةِ بِرَسْمِ سُكْنَاهُمْ وَاشْتِغَالُهُمْ فِيهَا
. فَهَلْ تَكُونُ السُّكْنَى مُخْتَصَّةٌ بِالْمُرْتَزِقِينَ ؟ وَهَلْ يَجُوزُ
إخْرَاجُ أَحَدٍ مِنْ السَّاكِنِينَ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الصِّنْفِ الْمَوْقُوفِ
عَلَيْهِ ؟
فَأَجَابَ
:
لَا تَخْتَصُّ السُّكْنَى وَالِارْتِزَاقُ بِشَخْصِ
وَاحِدٍ . وَتَجُوزُ السُّكْنَى مِنْ غَيْرِ ارْتِزَاقٍ مِنْ الْمَالِ كَمَا
يَجُوزُ الِارْتِزَاقُ مِنْ غَيْرِ سُكْنَى . وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ
إلَّا بِسَبَبِ شَرْعِيٍّ - إذَا كَانَ السَّاكِنُ مُشْتَغِلًا - سَوَاءٌ كَانَ
يَحْضُرُ الدَّرْسَ أَمْ لَا .
وَسُئِلَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ رَجُلٍ مَلَّكَ إنْسَانًا أنشابا قَائِمَةً عَلَى
الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْمِلْكِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِ أَيَّامَ
حَيَاتِهِ ؛ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ ؛ وَعَلَى مَنْ يُحْدِثُهُ
اللَّهُ مِنْ الْأَوْلَادِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بَيْنَهُمْ
بِالسَّوِيَّةِ : عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا كَانَ
نَصِيبُهُ مِنْ الْوَقْفِ إلَى وَلَدِهِ ؛ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ
وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ؛ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ
وَالْبَطْنِ ؛ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ . وَإِنْ تُوُفِّيَ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ
نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مَصْرُوفًا إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ ؛ مُضَافًا إلَى
مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ رِيعِ هَذَا الْوَقْفِ . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ
وَلَا أُخْتٌ ؛ وَلَا مَنْ يُسَاوِيه فِي الدَّرَجَةِ : كَانَ نَصِيبُهُ
مَصْرُوفًا إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ : الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ
وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ ؛ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ
السُّفْلَى مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِالسَّوِيَّةِ ؛ إلَى حِينِ
انْقِرَاضِهِمْ . فَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يَرْجِعُ بِنَسَبِهِ إلَى
الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْبِنْتِ :
كَانَ مُغَلُّ الْوَقْفِ مَصْرُوفًا إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِثَغْرِ
دِمْيَاطَ الْمَحْرُوسَةِ ؛ وَالْوَارِدِينَ إلَيْهِ ؛ والمترددين عَلَيْهِ
يُفَرِّقُهُ النَّاظِرُ عَلَى مَا يَرَاهُ . ثُمَّ عَلَى أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ
فَمِنْ
أَهْلِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ أَحَدُ الْبَنَاتِ تُوُفِّيَتْ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ
أَخَذَ إخْوَتُهَا نَصِيبُهَا ؛ ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ الثَّانِيَةُ وَلَهَا
ابْنَتَانِ أَخَذَتَا نَصِيبَهَا ؛ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَاتَتْ الْبِنْتُ الثَّالِثَةُ
وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ أَخَذَتْ أُخْتُهَا نَصِيبَهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ
مَاتَتْ الْأُخْتُ الرَّابِعَةُ فَأَخَذُوا لَهَا الثُّلُثَيْنِ . فَهَلْ يَصِحُّ لِأَوْلَادِ خَالَتِهِ
نَصِيبٌ مَعَهُ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ
:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الْبِنْتُ
الْأُولَى انْتَقَلَ نَصِيبُهَا إلَى إخْوَتِهَا الثَّلَاثَةِ ؛ كَمَا شَرَطَهُ
الْوَاقِفُ ؛ لَا يُشَارِكُ أَوْلَادُ هَذِهِ لِأَوْلَادِ هَذِهِ فِي النَّصِيبِ
الْأَصْلِيِّ الَّذِي كَانَ لِأُمِّهَا . وَأَمَّا النَّصِيبُ الْعَائِدُ - وَهُوَ
الَّذِي كَانَ لِلثَّالِثَةِ وَانْتَقَلَ إلَى الرَّابِعَةِ - فَهَذَا يَشْتَرِكُ
فِيهِ أَوْلَادُ هَذِهِ وَأَوْلَادُ هَذِهِ ؛ كَمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ أُمُّهُمَا
هَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ . وَقِيلَ : إنَّ جَمِيعَ
مَا حَصَلَ لِلرَّابِعَةِ وَهُوَ نَصِيبُهَا ؛ وَنَصِيبُ الثَّالِثَةِ يَنْتَقِلُ
إلَى أَوْلَادِهَا خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ قَالَ : وَإِنْ تُوُفِّيَ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ نَصِيبُهُ
مَصْرُوفًا إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مُضَافٌ إلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ رِيعِ
الْوَقْفِ . قَالُوا : فَالْمُضَافُ كَالْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا
يَنْتَقِلُ إلَى أَوْلَادِهِ فَكَذَلِكَ الْآخَرُ : لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ :
مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ الْوَقْفِ إلَى
وَلَدِهِ يَتَنَاوَلُ الْأَصْلِيَّ وَالْعَائِدَ . وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْقَوْلُ
الْأَوَّلُ ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : كَانَ نَصِيبُهُ . يَتَنَاوَلُ النَّصِيبَ
الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ . وَأَمَّا تَنَاوُلُهُ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَمَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ بَلْ قَدْ يُقَالُ : هَذَا هُوَ فِي الْأَصْلِ نَصِيبُ الْمَيِّتِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَ الْوَاقِفُ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْوَاقِفِ لَفْظًا وَعُرْفًا أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الطَّبَقَةِ فِي نَصِيبِ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَخَذَهُ الْمُسَاوِي بِكَوْنِهِ كَانَ فِي الطَّبَقَةِ وَأَوْلَادُهُ فِي الطَّبَقَةِ : كَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ . فَكَمَا أَنَّ الْمَيِّتَيْنِ لَوْ كَانَا حَيَّيْنِ اشْتَرَكَا فِي هَذَا النَّصِيبِ الْعَائِدِ : فَكَذَلِكَ يَشْتَرِكُ فِيهِ وَلَدُهُمَا مِنْ بَعْدِهِمَا ؛ فَإِنَّ نِسْبَتَهُمَا إلَى صَاحِبِ النَّصِيبِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ النَّاسُ بِمِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ كَمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ عُرْفُهُمْ وَعَادَتُهُمْ . وَالْمَقْصُودُ إجْرَاءُ الْوَقْفِ عَلَى الشُّرُوطِ الَّذِي يَقْصِدُهَا الْوَاقِفُ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّ نُصُوصَهُ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ . يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ . فَيُفْهَمُ مَقْصُودُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا يُفْهَمُ مَقْصُودُ الشَّارِعِ . وَمَنْ كَشَفَ أَحْوَالَ الْوَاقِفِينَ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ هَذَا الْمَعْنَى ؛ فَإِنَّهُ أَشْبَهُ بِالْعَدْلِ . وَنِسْبَةُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ إلَى الْوَاقِفِ سَوَاءٌ فَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي أَنْ يُعْطِيَ ابْنَ هَذَا نَصِيبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لِتَأَخُّرِ مَوْتِ أَبِيهِ وَأُولَئِكَ لَا يُعْطَوْنَ إلَّا نَصِيبًا وَاحِدًا ؛ لَا سِيَّمَا وَهَذَا الْمُتَأَخِّرُ قَدْ اسْتَغَلَّ الْوَقْفَ فَقَدْ يَكُونُ خَلَّفَ لِأَوْلَادِهِ بَعْضَ مَا اسْتَغَلَّهُ وَاَلَّذِي مَاتَ أَوَّلًا لَمْ يَسْتَغِلَّهُ إلَّا قَلِيلًا فَأَوْلَادُهُ أَقْرَبُ إلَى
الْحَاجَةِ وَنِسْبَتُهُمَا إلَى الْوَاقِفِ سَوَاءٌ . فَكَيْفَ يُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْحَاجَةِ إلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ عَنْهَا وَهُمَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ وَإِلَى الْمَيِّتِ صَاحِبِ النَّصِيبِ - بَعْدَ انْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ - سَوَاءٌ وَهُوَ كَمَا لَوْ مَاتَ صَاحِبُهُ آخِرًا وَلَوْ مَاتَ آخِرًا اشْتَرَكَ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ فِيهِ ؛ بَلْ هَذَا يَتَنَاوَلُهُ قَوْلُ الْوَاقِفِ : إنْ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ مَصْرُوفًا إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ وَلَا أُخْتٌ وَلَا مَنْ يُسَاوِيه فِي الدَّرَجَةِ : فَيَكُونُ نَصِيبُهُ مَصْرُوفًا إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ وَكُلُّهُمْ فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ سَوَاءٌ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ تَيْمِيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ
عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ
وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ دَائِمًا مَا تَنَاسَلُوا : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ
مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ :
كَانَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي
طَبَقَتِهِ . فَإِذَا تُوُفِّيَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَنْ
وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ أَوْ عَقِبٍ لِمَنْ يَكُونُ نَصِيبُهُ ؟
هَلْ يَكُونُ لِوَلَدِهِ ؟ أَوْ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَبَنِيَّ
الْعَمِّ وَنَحْوِهِمْ ؟ .
فَأَجَابَ
:
نَصِيبُهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ دُونَ إخْوَتِهِ
وَبَنِيَّ عَمِّهِ : لِوُجُوهِ مُتَعَدِّدَةٍ نَذْكُرُ مِنْهَا ثَلَاثَةً .
أَحَدُهَا أَنَّ قَوْلَهُ : عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ .
مُقَيَّدٌ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ وَهِيَ قَوْلُهُ : عَلَى أَنَّهُ
مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى ذَوِي
طَبَقَتِهِ . وَكُلُّ كَلَامٍ اتَّصَلَ بِمَا يُقَيِّدُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ
اعْتِبَارُ ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ دُونَ إطْلَاقِهِ أَوَّلَ الْكَلَامِ . بَيَانُ
الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى : أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ : عَلَى
أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ
. فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَالْحَالُ صِفَةٌ
فِي الْمَعْنَى وَالصِّفَةُ مُقَيِّدَةٌ لِلْمَوْصُوفِ
وَإِنْ
شِئْت قُلْت : لِأَنَّةِ جَارٌ وَمَجْرُورٌ مُتَّصِلٌ بِالْفِعْلِ وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ
مَفْعُولٌ فِي النَّفْيِ وَذَلِكَ مُقَيِّدٌ لِلْفِعْلِ . وَإِنْ شِئْت قُلْت :
لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ فَيَجِبُ ضَمُّهُ إلَى مَا
قَبْلَهُ . وَإِنْ شِئْت قُلْت : لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْكُتْ
عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُ حَتَّى وَصَلَهُ بِغَيْرِهِ وَصِلَةُ الْكَلَامِ مُقَيِّدَةٌ
لَهُ . وَكُلُّ هَذِهِ الْقَضَايَا مَعْلُومَةٌ بِالِاضْطِرَارِ فِي كُلِّ لُغَةٍ
. بَيَانُ الثَّانِيَةِ : أَنَّ الْكَلَامَ مَتَى اتَّصَلَ بِهِ صِفَةٌ أَوْ
شَرْطٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُغَيِّرُ مُوجَبَهُ عِنْدَ
الْإِطْلَاقِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَمْ يَجُزْ قَطْعُ ذَلِكَ الْكَلَامِ عَنْ
تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ . وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ
أَيْضًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ بَلْ وَلَا بَيْنَ الْعُقَلَاءِ . وَكُلُّ هَذَا تَنْبَنِي جَمِيعُ
الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَقْوَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعِبَادَاتِ
وَالْمُعَامَلَاتِ : مِثْلَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْبَيْعِ
وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : يُرْجَعُ إلَى لَفْظِ
الْوَاقِفِ فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ . وَلِهَذَا لَوْ كَانَ أَوَّلُ
الْكَلَامِ مُطْلَقًا أَوْ عَامًّا وَوَصَلَهُ الْمُتَكَلِّمُ بِمَا يَخُصُّهُ
أَوْ يُقَيِّدُهُ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِذَلِكَ التَّقْيِيدِ وَالتَّخْصِيصِ
فَإِذَا قَالَ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي . كَانَ عَامًّا . فَلَوْ قَالَ
الْفُقَرَاءُ أَوْ الْعُدُولُ أَوْ الذُّكُورُ . اُخْتُصَّ الْوَقْفُ بِهِمْ ؛ وَإِنْ
كَانَ أَوَّلُ كَلَامِهِ عَامًّا . وَلَيْسَ لِقَائِلِ أَنْ يَقُولَ : لَفْظُ
الْأَوْلَادِ عَامٌّ وَتَخْصِيصُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي
الْحُكْمَ عَنْ النَّوْعِ الْآخَرِ ؛ بَلْ الْعُقَلَاءُ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ
عَلَى أَنَّهُ
قَصَرَ الْحُكْمَ عَلَى أُولَئِكَ الْمَخْصُوصِينَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ - مُثْبِتُو الْمَفْهُومِ وَنُفَاتُهُ - وَيُسَمُّونَ هَذَا " التَّخْصِيصَ الْمُتَّصِلَ " . وَيَقُولُونَ : لَمَّا وَصَلَ اللَّفْظَ الْعَامَّ بِالصِّفَةِ الْخَاصَّةِ صَارَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَقَطْ وَصَارَ الْخَارِجُونَ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ خَارِجِينَ عَنْ الْحُكْمِ . أَمَّا عِنْدَ نفاة الْمَفْهُومِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا إلَّا إذَا دَخَلُوا فِي اللَّفْظِ ؛ فَلَمَّا وَصَلَ اللَّفْظُ الْعَامُّ بِالصِّفَةِ الْخَاصَّةِ أَخْرَجَهُمْ مِنْ اللَّفْظِ ؛ فَلَمْ يَصِيرُوا دَاخِلِينَ فِيهِ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ . فَهُمْ يَنْفُونَ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِعَدَمِ مُوجِبِ الِاسْتِحْقَاقِ . وَأَمَّا عِنْدَ مُثْبِتِي الْمَفْهُومِ فَيُخَرِّجُونَ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِمَعْنَى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ تَخْصِيصَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ تَخْصِيصِهِ بِالْحُكْمِ وَقَصْدُ تَخْصِيصِهِمْ بِالْحُكْمِ مُلْتَزِمٌ لِنَفْيِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ . فَهُمْ يَمْنَعُونَ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِانْتِفَاءِ مُوجِبِهِ . وَلِقِيَامِ مَانِعِهِ . وَكَذَلِكَ لَوْ قَيَّدَ الْمُطْلَقَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّهُمْ يُعْطُونَ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ . أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ . أَوْ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ مِنْ الْوَقْفِ إلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ . وَوَقَفْت عَلَى أَنَّهُ مَنْ كَانَ فَقِيرًا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ . فَإِنَّ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ ؛ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ ؛ أَوْ إنْ كَانَ فَقِيرًا . وَلَوْ قَالَ : وَقَفْت عَلَى بَنَاتِي عَلَى أَنَّهُ مَنْ كَانَتْ أَيِّمًا أُعْطِيَتْ وَمَنْ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أُعْطِيَتْ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ : وَقَفْت عَلَى
بَنَاتِي عَلَى الْأَيَامَى مِنْهُمْ ؛ فَإِنَّ صِيغَةَ " عَلَى " مِنْ صِيَغِ الِاشْتِرَاطِ كَمَا قَالَ . { إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } . وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَلْفٍ : أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهَا أَلْفًا ؛ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي ذِمَّتِك أَلْفٌ : كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا ثَابِتًا وَتَسْمِيَتُهُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَد أَوْ غَيْرِهِ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ ؛ مِنْ أَجْلِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ أَوْ لِعَبْدِهِ : أَنْت حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ الزَّوْجَةُ وَالْعَبْدُ ؛ فَإِنَّهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد يَقَعُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَأْخَذُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ لِلشَّرْطِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : خَلَعْتُك عَلَى أَلْفٍ أَوْ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفٍ أَوْ زَوَّجْتُك عَلَى أَلْفٍ أَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي بِهِ كَذَا أَوْ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهُ زَيْدٌ أَوْ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنَّك حُرٌّ : أَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ صَحِيحَةٌ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ كُلِّهِمْ . وَإِنَّمَا الْمَأْخَذُ أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ لَا يَفْتَقِرَانِ إلَى عِوَضٍ وَلَمْ يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ بِشَرْطِ ؛ وَإِنَّمَا شَرَطَ فِيهِ شَرْطًا وَفَرَّقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ فِي الْكَلَامِ الْمُنَجَّزِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ كَثِيرٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُعَلَّقَةِ مَعَ صِحَّةِ الِاشْتِرَاطِ فِيهَا ؛ وَهَذِهِ الصِّفَةُ قَدْ تَعَذَّرَ وُجُودُهَا وَالطَّلَاقُ
الْمَوْصُوفُ إذَا فَاتَتْ صِفَتُهُ هَلْ يَفُوتُ جَمِيعُهُ ؟ أَوْ يَثْبُتُ هُوَ دُونَ الصِّفَةِ ؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ . إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ . شَرْطٌ حُكْمِيٌّ وَوَصْفٌ مَعْنَوِيٌّ لِلْوَقْفِ الْمَذْكُورِ ؛ وَأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَالْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ ؛ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ فِي الْكَلَامِ كَانَ انْتِقَالُ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ وَلَدِهِ وَأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَصْرِفْ إلَيْهِمْ نَصِيبَ الْمُتَوَفَّى فِي هَذِهِ الْحَالِ وَمَعْلُومٌ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إلَيْهِمْ فِي ضِدِّ هَذِهِ الْحَالِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ . وَعَلِمَ أَنَّ هَذَا ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ ؛ بَلْ وَالْعُقَلَاءُ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَالنَّافِينَ لَهُ ؛ فَإِنَّ صَرْفَ الْوَقْفِ إلَى غَيْرِ مَنْ صَرَفَهُ إلَيْهِ الْوَاقِفُ حَرَامٌ ؛ وَهُوَ لَمْ يَصْرِفْهُ إلَيْهِمْ . فَهَذَا الْمَنْعُ لِانْتِفَاءِ الْمُوجِبِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ مَنَعَ صَرْفَهُ إلَيْهِمْ وَهَذَا الْمَنْعُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ . وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ بِشَرْطِ أَنْ يَنْتَقِلَ نَصِيبُ الْمُتَوَفَّى مِنْهُمْ إلَى أَهْلِ طَبَقَتِهِ إذَا كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . وَلَيْسَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُقْصِرُ كُلَّ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا يَغْلَطُ هُنَا مَنْ لَمْ يُحَكِّمْ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ أَنْوَاعِ أُصُولِ الْفِقْهِ السَّمْعِيَّةِ وَلَمْ يَتَدَرَّبْ فِيمَا عُلِّقَ بِأَقْوَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ
وَلَا هُوَ جَرَى فِي فَهْمِ هَذَا الْخِطَابِ عَلَى الطَّبِيعَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ النَّقِيَّةِ فَارْتَفَعَ عَنْ شَأْنِ الْعَامَّةِ بِحَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ فِي زُمْرَتِهِمْ فِيمَا يَفْهَمُونَهُ فِي عُرْفِ خِطَابِهِمْ وَانْحَطَّ عَنْ أَوْجِ الْخَاصَّةِ فَلَمْ يَهْتَدِ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُشَبَّهَاتِ فِي الْكَلَامِ حَتَّى تُقِرَّ الْفِطَرُ عَلَى مَا فَطَرَهَا عَلَيْهِ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ؛ وَالْحُمْقُ أَدَّى بِهِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ كُنَاسَةِ بترا . وَمَنْ أَحْكَمَ الْعُلُومَ حَتَّى أَحَاطَ بِغَايَاتِهَا رَدَّهُ ذَلِكَ إلَى تَقْرِيرِ الْفِطَرِ عَلَى بِدَايَاتِهَا وَإِنَّمَا بُعِثَتْ الرُّسُلُ لِتَكْمِيلِ الْفِطْرَةِ ؛ لَا لِتَغْيِيرِهَا { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } . وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ خَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهُ إلَّا إعْطَاءَ أَهْلِ طَبَقَةِ الْمُتَوَفَّى بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُتَوَفَّى وَلَدٌ وَيَعْقِلُونَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضِ . وَإِنَّمَا نَشَأَ غَلَطُ الغالط مِنْ حَيْثُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِيهِ عُمُومٌ وَالْكَلَامَ الثَّانِي قَدْ خَصَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ بِالذِّكْرِ فَيَكُونُ مِنْ " بَابِ تَعَارُضِ الْعُمُومِ وَالْمَفْهُومِ " . ثُمَّ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ نَظَرَ فِي كُتُبِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَوْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ بِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ وَإِذَا قَالُوا بِهَا رَأَوْا دَلَالَةَ الْعُمُومِ رَاجِحَةً عَلَيْهَا لِكَوْنِ الْخِلَافَاتِ فِيهَا أَضْعَفَ مِنْهُ فِي دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي الْعُمُومِ إلَّا شِرْذِمَةٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ وَقَدْ خَالَفَ فِي الْمَفْهُومِ طَائِفَة مِنْ الْفُقَهَاءِ
وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ حَتَّى قَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ وَقَعَ لَهُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ صَرِيحَ الشَّرْطِ أَوْ عُمُومَهُ لِمَفْهُومِ الصِّفَةِ مَعَ ضَعْفِهِ . فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْعَمَى فِي الْبَصِيرَةِ أَوْ حَوَلٍ يَرَى الْوَاحِدَ اثْنَيْنِ ؛ فَإِنَّ الْأَعْمَى أَسْلَمُ حَالًا فِي إدْرَاكِهِ مِنْ الْأَحْوَلِ إذَا كَانَ مُقَلِّدًا لِلْبَصِيرِ وَالْبَصِيرُ صَحِيحُ الْإِدْرَاكِ . وَلَوْلَا خَشْيَةُ أَنْ يَحْسَبَ حَاسِبٌ أَنَّ لِهَذَا الْقَوْلِ مَسَاغًا أَوْ أَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ عَلَى أُصُولِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ لَكَانَ الْإِضْرَابُ عَنْ بَيَانِهِ أَوْلَى . فَيُقَالُ : هَذَا الَّذِي تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ هَلْ هِيَ حُجَّةٌ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا كَانَتْ حُجَّةٌ فَهَلْ يَخُصُّ بِهَا الْعَامَّ أَمْ لَا ؟ إنَّمَا هُوَ فِي كَلَامَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ لَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضِ ؛ وَلَا فِي كَلَامِ مُتَكَلِّمِينَ لَا يَجِبُ اتِّحَادُ مَقْصُودِهِمَا . فَهُنَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ . أَحَدُهَا : كَلَامَانِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ . وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِيَدْخُلَ فِيهِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كَلَامَ اللَّهِ وَالْآخَرُ كَلَامَ رَسُولِهِ ؛ فَإِنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ مَا لَوْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ كَلَامِ رَسُولِهِ : مِثْلَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ } مَعَ قَوْلِهِ " { إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ } فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِمَا وَاحِدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا كَلَامَانِ . فَمَنْ قَالَ : إنَّ الْمَفْهُومَ حُجَّةٌ يَخُصُّ بِهِ الْعُمُومَ خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ : " { الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ } " بِمَفْهُومِ { إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ } مَعَ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ
أَضْعَفُ مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ . وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَغَيْرِهِمَا . وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ : قَوْلُهُ : " { الْمَاءُ طَهُورٌ } عَامٌّ وَقَوْلُهُ : " { إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ } هُوَ بَعْضُ ذَلِكَ الْعَامِّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فِي حُكْمِهِ فَلَا تُتْرَكُ دَلَالَةُ الْعُمُومِ لِهَذَا : وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ " { فِي الْإِبِلِ فِي خَمْسٍ مِنْهَا شَاةٌ } إلَى آخِرِهِ . مَعَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ " { فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ } وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ : مِنْهَا مَا قَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْجِيحِ الْمَفْهُومِ فِيهِ : مِثْلَ قَوْلِهِ : " { جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا } مَعَ قَوْلِهِ " { جُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا } فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْأَرْضَ الْخَبِيثَةَ لَيْسَتْ بِطَهُورِ . وَمِنْهَا مَا قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ كَقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : " { وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لِي طَهُورًا } فَإِنَّ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرَهُمَا جَعَلُوا مَفْهُومَ هَذَا الْحَدِيثِ مُخَصَّصًا لِقَوْلِهِ " { جُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ طَهُورًا } . وَمِنْهَا مَا قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيمِ الْعُمُومِ فِيهِ كَقَوْلِهِ : { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } مَعَ قَوْلِهِ : { وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا } فَإِنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ سَوَاءٌ قَصَدَ بِدَارًا كِبَرَ الْيَتِيمِ أَوْ لَا . وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا . فَذَهَبَ أَهْلُ الرَّأْيِ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنْبَلِيَّةِ : إلَى تَرْجِيحِ الْعُمُومِ . وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ : إلَى تَقْدِيمِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ صَرِيحًا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا . وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِهَا ؛ فَإِنَّهَا ذَاتُ شُعَبٍ كَثِيرَةٍ وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِمَسْأَلَةِ " الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ " وَهِيَ غَمْرَةٌ مِنْ غَمَرَاتِ " أُصُولِ الْفِقْهِ " وَقَدْ اشْتَبَهَتْ أَنْوَاعُهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ السَّابِحِينَ فِيهِ . لَكِنْ الْمَقْصُودُ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَعَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْهُ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى مِنْ يُفْتِي بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنْ يَبْنِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أُصُولِهِمَا وَأُصُولِ أَصْحَابِهِمَا دُونَ مَا أَصَّلَهُ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ لَمْ يُمْعِنُوا النَّظَرَ فِي آيَاتِ اللَّهِ . وَدَلَائِلُهُ : الَّتِي بَيَّنَهَا فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ وَلَا أَحَاطُوا عِلْمًا بِوُجُوهِ الْأَدِلَّةِ وَدَقَائِقِهَا الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي وَحْيِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ وَلَا ضَبَطُوا وُجُوهَ دَلَالَاتِ اللِّسَانِ الَّذِي هُوَ أَبْيَنُ الْأَلْسِنَةِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ أَشْرَفَ الْكُتُبِ . وَإِنَّمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَلَامٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضِ آخِرُهُ مُقَيِّدٌ لِأَوَّلِهِ : مِثْلَ مَا لَوْ قَالَ : " { الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ } أَوْ يَقُولُ : " { الْمَاءُ طَهُورٌ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ
لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ } أَوْ يَقُولُ : { فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ تَجِبُ هَذِهِ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ } كَمَا قَالَ : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } فَأَطْلَقَ وَعَمَّمَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ النَّاسِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُؤْخَذُ بِعُمُومِ أَوَّلِهِ بَلْ إنَّمَا تَضَمَّنَ طَهَارَةَ الْقُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ . لَكِنْ نفاة الْمَفْهُومِ يَقُولُونَ : لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا سِوَى ذَلِكَ بِنَفْيِ وَلَا إثْبَاتٍ فَنَحْنُ نَنْفِيه بِالْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ نَاقِلٌ عَنْ الْأَصْلِ . وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ بَلْ نَنْفِيه بِدَلِيلِ هَذَا الْخِطَابِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ . وَمِمَّا يُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ : أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ : وَصَّيْت بِهَذَا الْمَالِ لِلْعُلَمَاءِ يُعْطُونَ مِنْهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ . وَلَوْ قَالَ : مَرَّةً : وَصَّيْت بِهِ لِلْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ : أَعْطُوا مِنْ مَالِي لِلْعُلَمَاءِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ . فَهُنَا يُقَالُ تَعَارَضَ الْعُمُومُ وَالْمَفْهُومُ ؛ لَكِنْ مِثْلُ هَذَا لَا يَجِيءُ فِي الْوَقْفِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى صِفَةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ لَمْ يُمْكِنْ تَغْيِيرُهَا ؛ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ فَسَّرَ الْمُوصِي لَفْظَهُ بِمَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ قُبِلَ مِنْهُ ؛ بِخِلَافِ الْوَاقِفِ . وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّ تَقْيِيدَ هَذَا الْكَلَامِ بِالصِّفَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَاجِبٌ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَنَفُتْهُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ الْمُقَيَّدِ بِوَصْفِ فِي آخِرِهِ .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِ مُتَكَلِّمِينَ لَا يَجِبُ اتِّحَادُ مَقْصُودِهِمَا : مِثْلَ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا أَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ لِزَيْدِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ الْمَوْضِعَ الْفُلَانِيَّ مِنْهَا لِعَمْرِو فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ يَتَعَارَضَانِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ : أَنَّهُ يَبْنِي الْعَامُّ كُلَّ الْخَاصِّ هُنَا . وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ النَّاسِ مَرَّةً فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَأَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ كَمَا غَلِطَ بَعْضُهُمْ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَأَلْحَقُوهُ بِالْأَوَّلِ . وَمَنْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَعَلِمَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الْفِطَرِ وَإِنَّمَا خَاصَّةُ الْعُلَمَاءِ إخْرَاجُ مَا فِي الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ فَلَوْ سَلَّمَ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ عَامٌّ أَوْ مُطْلَقٌ فَقَدْ وَصَلَ بِمَا يُقَيِّدُهُ وَيُخَصِّصُهُ وَقَدْ أَطْبَقَ جَمِيعَ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَخْصُوصٌ مُقَيَّدٌ وَلَيْسَ عَامًّا وَلَا مُطْلَقًا . فَفَرْقٌ - أَصْلَحَك اللَّهُ - بَيْنَ أَنْ يَتِمَّ الْكَلَامُ الْعَامُّ الْمُطْلَقُ فَيَسْكُتُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعَارِضُهُ مَفْهُومٌ خَاصٌّ أَوْ مُقَيَّدٌ وَبَيْنَ أَنْ يُوصَلَ بِمَا يُقَيِّدُهُ وَيُخَصِّصُهُ . أَلَسْت تَعْلَمُ أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا ؟ فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَسَكَتَ سُكُوتًا طَوِيلًا ثُمَّ وَصَلَهُ بِاسْتِثْنَاءِ أَوْ عَطْفٍ أَوْ وَصْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ . فَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُسَافِرُ ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ . أَوْ قَالَ : إلَى الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ . أَوْ قَالَ : وَلَا أَتَزَوَّجُ . أَوْ قَالَ : لَا أُسَافِرُ رَاجِلًا . لَمْ تَتَقَيَّدْ الْيَمِينُ بِذَلِكَ . وَلَوْ حَلَفَ مَرَّةً : لَا أُسَافِرُ ثُمَّ حَلَفَ مَرَّةً ثَانِيَةً : لَا يُسَافِرُ رَاجِلًا . لَمْ تُقَيَّدْ
الْيَمِينُ الْأُولَى بِقَيْدِ الثَّانِيَةِ . وَلَوْ قَالَ : لَا أُسَافِرُ رَاجِلًا . لَتَقَيَّدَتْ يَمِينُهُ بِذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ . فَلَمَّا قَالَ هُنَا : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ : صَارَ الْمَعْنَى وَقَفْت وَقْفًا مُقَيَّدًا بِهَذَا الْقَيْدِ الْمُتَضَمِّنِ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إلَى أَهْلِ طَبَقَتِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ وَلَدِهِ . وَصَارَ مِثْلُ هَذَا أَنْ يَقُولَ : وَقَفْت عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَنَسْلِي وَعَقِبِي : عَلَى أَنَّ الْأَوْلَادَ يَسْتَحِقُّونَ هَذَا الْوَقْفَ بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ . أَفَلَيِسَ كُلُّ فَقِيهٍ يُوجِبُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَوْلَادِ مَشْرُوطٌ بِمَوْتِ الْآبَاءِ ؟ وَأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي اقْتَضَى التَّشْرِيكَ ؟ وَيُوَضِّحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَدْ يُظَنُّ أَنَّهَا مِثْلُ هَذِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ : لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْمَسَاكِينِ شَيْءٌ حَتَّى يَمُوتَ الثَّلَاثَةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ . فَلَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ : وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ الثَّلَاثَةِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الْآخَرِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِ الْوَقْفِ مِسْكِينٌ . أَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَسَاكِينِ أَحَدٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الْآخَرِينَ . أَوْ يَقُولُ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ الثَّلَاثَةِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الْآخَرِينَ إنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ . أَوْ إنْ كَانَا مُقِيمَيْنِ بِبَلَدِ الْوَقْفِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ . أَفَلَيْسَ كُلُّ فَقِيهٍ ؛ بَلْ كُلُّ عَاقِلٍ يَقْضِي بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَاقِينَ لِنَصِيبِ الْمُتَوَفَّى مَشْرُوطٌ بِهَذَا الشَّرْطِ ؟ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَتِمُّ بِآخِرِهِ وَلَا يَجُوز اعْتِبَارُ الْكَلَامِ الْمُقَيَّدِ دُونَ مُطْلَقِهِ وَهَذَا مِمَّا قَدْ اضْطَرَّ اللَّهُ الْعُقَلَاءَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْبَصِيرَةِ وَبَيْنَ الْإِدْرَاكِ مَانِعٌ فَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ . وَمَسْأَلَتُنَا أَوْضَحُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ . وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَهُوَ عَدْلٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ . فَهَلْ يَجُوز أَنْ يَنْتَقِلَ الْوَقْفُ إلَى الْوَلَدِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَسَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا فَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ لِانْدِرَاجِهِ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ قِيلَ لَهُ : اللَّفْظُ الْعَامُّ لَمْ يَنْقَطِعْ وَيَسْكُتْ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَ بِهِ ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْصُولٌ بِمَا قَيَّدَهُ وَخَصَّصَهُ . وَلَا يَجُوز أَنْ يُعْتَبَرَ بَعْضُ الْكَلَامِ الْوَاحِدِ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ ؛ وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ . وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُبْهِرْ الْمُتَكَلِّمَ فِي هَذَا فَلْيُكْثِرْ مِنْ النَّظَائِرِ الَّتِي يَصِلُ فِيهَا الْكَلَامَ الْعَامَّ أَوْ الْمُطْلَقَ بِمَا يَخُصُّهُ وَيُقَيِّدُهُ : مِثْلَ أَنْ تَقُولَ : وَقَفْت عَلَى الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ حَضَرَ الدَّرْسَ صَبِيحَةَ كُلِّ يَوْمٍ اسْتَحَقَّ . أَوْ وَقَفْت عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ جَاوَرَ بِالْحَرَمَيْنِ مِنْهُمْ اسْتَحَقَّ . أَوْ تَقُولُ : عَلَى أَنْ
يُجَاوَرَ
بِأَحَدِ الْحَرَمَيْنِ . أَوْ عَلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَشْهَدُونَ الدَّرْسَ فِي
كُلِّ غَدَاةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ الَّتِي تُفَوِّتُ الْعَدَدَ وَالْإِحْصَاءَ .
وَمِمَّا يَغْلَطُ فِيهِ بَعْضُ الْأَذْهَانِ فِي مِثْلِ
هَذَا أَنْ يَحْسَبَ أَنَّ بَيْنَ أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ تَنَاقُضًا أَوْ
تَعَارُضًا . وَهَذَا شُبْهَةٌ مِنْ شُبُهَاتِ بَعْضِ الطَّمَاطِمِ مِنْ مُنْكِرِي
الْعُمُومِ ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصِّيَغُ عَامَّةً
لَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ رُجُوعًا أَوْ نَقْضًا . وَهَذَا جَهْلٌ ؛ فَإِنَّ
أَلْفَاظَ الْعَدَدِ نُصُوصٌ مَعَ جَوَازِ وُرُودِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهَا
كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا
} وَكَذَلِكَ النَّكِرَةُ فِي الْمُوجَبِ مُطْلَقَةٌ مَعَ جَوَازِ تَقْيِيدِهَا
فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } . وَإِنَّمَا أُتِيَ هَؤُلَاءِ
مِنْ حَيْثُ تَوَهَّمُوا أَنَّ الصِّيَغَ إذَا قِيلَ : هِيَ عَامَّةٌ : قِيلَ :
إنَّهَا عَامَّةٌ مُطْلَقًا . وَإِذَا قِيلَ : إنَّهَا عَامَّةٌ مُطْلَقًا ثُمَّ
رُفِعَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْضُ مُوجِبِهَا : فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ
الْمَرْفُوعِ الْعُمُومُ الْمُثْبِتُ لَهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ النَّافِي لَهُ .
وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ أَوْ رُجُوعٌ . فَيُقَالُ لَهُمْ : إذَا قِيلَ : هِيَ عَامَّةٌ
فَمِنْ شَرْطِ عُمُومِهَا أَنْ تَكُونَ مُنْفَصِلَةً عَنْ صِلَةٍ مُخَصَّصَةٍ
فَهِيَ عَامَّةٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؛ لَا عَامَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ .
وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ تَخْتَلِفُ دَلَالَتُهُ بِحَسَبِ إطْلَاقِهِ وَتَقْيِيدِهِ
؛ وَلِهَذَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ : لَهُ أَلْفُ
دِرْهَمٍ مِنْ النَّقْدِ الْفُلَانِيِّ . أَوْ مُكَسَّرَةٌ
أَوْ سُودٌ أَوْ نَاقِصَةٌ أَوْ طبرية أَوْ أَلْفٌ إلَّا خَمْسِينَ وَنَحْوُ ذَلِكَ : كَانَ مُقِرًّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ الْمُقَيَّدَةِ . وَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ رُجُوعًا لَمَا قُبِلَ فِي الْإِقْرَارِ ؛ إذْ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُ الْمُقِرِّ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ . وَكَثِيرًا مَا قَدْ يَغْلَطُ بَعْضُ الْمُتَطَرِّفِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ شَرْطِ وَاقِفٍ أَوْ يَمِينِ حَالِفٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ : فَيَرَى أَوَّلَ الْكَلَامِ مُطْلَقًا أَوْ عَامًّا وَقَدْ قَيَّدَ فِي آخِرِهِ . فَتَارَةً يَجْعَلُ هَذَا مِنْ بَابِ تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِمَا بِالْأَحْكَامِ الْمَعْرُوفَةِ لِلدَّلَائِلِ الْمُتَعَارِضَةِ مِنْ التَّكَافُؤِ وَالتَّرْجِيحِ . وَتَارَةً يَرَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُتَنَاقِضٌ ؛ لِاخْتِلَافِ آخِرِهِ وَأَوَّلِهِ . وَتَارَةً يَتَلَدَّدُ تَلَدُّدَ الْمُتَحَيِّرِ وَيَنْسِبُ الشَّاطِرَ إلَى فِعْلِ الْمُقَصِّرِ . وَرُبَّمَا قَالَ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ . وَكُلُّ هَذَا مَنْشَؤُهُ مِنْ عَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ وَالْكَلَامِ الْمُنْفَصِلِ . وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ أَوَّلِ كَلَامِهِ حَتَّى يَسْكُتَ سُكُوتًا قَاطِعًا وَأَنَّ الْكَاتِبَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ كِتَابِهِ حَتَّى يَفْرَغَ فَرَاغًا قَاطِعًا : زَالَتْ عَنْهُ شُبْهَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَعَلِمَ صِحَّةَ مَا تَقُولُهُ الْعُلَمَاءُ فِي دَلَالَاتِ الْخِطَابِ . وَمِنْ أَعْظَمِ التَّقْصِيرِ نِسْبَةُ الْغَلَطِ إلَى مُتَكَلِّمٍ مَعَ إمْكَانِ تَصْحِيحِ كَلَامِهِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى أَحْسَنِ أَسَالِيبِ كَلَامِ النَّاسِ ثُمَّ يَعْتَبِرُ أَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِالْغَلَطِ دُونَ الْآخَرِ فَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ : قَوْلُهُ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . غَلِطَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ أَنْ
يُقَالَ : قَوْلُهُ : " ثُمَّ " هُوَ الْغَلَطُ ؛ فَإِنَّ الْغَلَطَ فِي تَبْدِيلِ حَرْفٍ بِحَرْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَاتِبِ أَوْلَى مِنْ الْغَلَطِ بِذِكْرِ عِدَّةِ كَلِمَاتٍ ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ كَلِمَاتٍ . ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا تَوْكِيدٌ ؛ وَالْمُؤَكَّدُ إنَّمَا يُزِيحُ الشُّبْهَةَ ؛ فَكَانَ قَوْلُهُ : مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ . أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ : مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدًا وَقَصَدَ التَّوْكِيدَ ؛ فَإِنَّ نَقْلَ نَصِيبَ الْمَيِّتِ إلَى إخْوَتِهِ مَعَ وَلَدِهِ تَنْبِيهٌ عَلَى نَقْلِهِ إلَيْهِمْ مَعَ عَدَمِهِمْ . إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيدُ بِبَيَانِ الْحُكْمِ الْجَلِيِّ دُونَ الْخَفِيِّ فَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ حُدُودِ الْعَقْلِ وَالْكَلَامِ . ثُمَّ التَّوْكِيدُ لَا يَكُونُ بِالْأَوْصَافِ الْمُقَيِّدَةِ لِلْمَوْصُوفِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : أَكْرَمُ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ . وَقَالَ : أَرَدْت إكْرَامَ جَمِيعِ الرِّجَالِ وَخَصَّصْت الْمُسْلِمِينَ بِالذِّكْرِ تَوْكِيدًا وَذِكْرُهُمْ لَا يَنْفِي غَيْرَهُمْ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِي الِاسْمِ الْأَوَّلِ : لَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ سَاقِطًا غَيْرَ مَقْبُولٍ أَصْلًا ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ صِفَةٌ لِلرِّجَالِ ؛ وَالصِّفَةُ تُخَصِّصُ الْمَوْصُوفِ . فَلَا يَبْقَى فِيهِ عُمُومٌ ؛ لَكِنْ لَوْ قَالَ : أَكْرَمُ الرِّجَالِ وَالْمُسْلِمِينَ - بِحَرْفِ الْعَطْفِ مَعَ اتِّفَاقِ الْحُكْمِ فِي الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ بَعْضَهُ - لَكَانَ تَوْكِيدًا ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ لَا يَجِبُ أَنْ يُقَيِّدَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ وَيُخَصِّصَهُ ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُغَايَرَةِ الْحَاصِلَةِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ؛ بِخِلَافِ الصِّفَاتِ
وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا مُقَيِّدَةٌ ؛ وَكَذَلِكَ بَعْضُ أَنْوَاعِ الْعَطْفِ ؛ لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْعَطْفِ الْمُغَيِّرِ وَغَيْرِ الْمُغَيِّرِ فِي " بَابِ الْإِقْرَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْعُقُودِ " . وَمَنْ رَامَ أَنْ يَجْعَلَ الْكَلَامَ مَعْنًى صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَ أَوَّلَ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ كُفْرًا وَآخِرَهَا إيمَانًا ؛ وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا قَدْ كَفَرَ ؛ ثُمَّ آمَنَ . فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا الْخَبَالِ . وَإِنْ كَانَ قَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ قَالَ : مَا كَلِمَةٌ أَوَّلُهَا كُفْرٌ وَآخِرُهَا إيمَانٌ ؟ فَقِيلَ لَهُ : مَا هِيَ ؟ فَقَالَ : كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ . قُلْت قَصَدَ بِذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَهَا لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ كَانَ كُفْرًا ؛ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا كُفْرٌ مَعَ اتِّصَالِهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ هَذَا لَكَانَ قَدْ كَفَرَ . وَلِهَذَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ : الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلَّمَ بِمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى . وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَظَنَّ أَنَّهُ إذَا قَالَ : أَلْفٌ إلَّا خَمْسِينَ . كَانَتْ الْأَلْفُ مَجَازًا ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِجُمْلَةِ الْعَدَدِ ؛ وَلَمْ يُرِدْ الْمُتَكَلِّمُ ذَلِكَ . فَيُقَالُ لَهُ : هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا عَنْ صِلَةٍ ؛ وَذَلِكَ الشَّرْطُ قَدْ زَالَ . ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : إنَّمَا فُهِمَ الْمَعْنَى هُنَا بِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ : أَلْفٌ إلَّا خَمْسِينَ ؛ لَا بِنَفْسِ الْأَلْفِ . فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ هِيَ الدَّالَّةُ عَلَى تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ . وَهَذِهِ شُبْهَةُ مَنْ رَأَى أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ تَخْصِيصًا مُتَّصِلًا مَجَازٌ . كَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ تَخْصِيصًا مُنْفَصِلًا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ
وَسِيَاقُ هَذَا الْقَوْلِ يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ وُصِلَ بِوَصْفِ ؛ أَوْ عَطْفِ بَيَانٍ ؛ أَوْ بَدَلٍ ؛ أَوْ أَحَدِ الْمَفْعُولَاتِ الْمُقَيَّدَةِ أَوْ الْحَالِ أَوْ التَّمْيِيزِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ : كَانَ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا . وَفَسَادُ هَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِاللَّفْظِ الدَّالَّةِ بِالْوَضْعِ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَالْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي لَا تَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ بِالْوَضْعِ - كَقَوْلِهِ : رَأَيْت أَسَدًا يَكْتُبُ وَبَحْرًا رَاكِبًا فِي الْبَحْرِ - وَبَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمُنْفَصِلَةِ مَعْلُومٌ يَقِينًا مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ . وَمَعَ هَذَا فَلَا رَيْبَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَتِمُّ بِآخِرِهِ وَأَنَّ دَلَالَتَهُ إنَّمَا تُسْتَفَادُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَكَمَالِهِ ؛ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ دَالًّا دُونَ آخِرِهِ ؛ سَوَاءٌ سُمِّيَ أَوَّلُهُ " حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا " وَلَا أَنْ يُقَالَ : إنَّ أَوَّلَهُ يُعَارِضُ آخِرَهُ . فَإِنَّ التَّعَارُضَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ دَلِيلَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ وَالْكَلَامُ الْمُتَّصِلُ كُلُّهُ دَلِيلٌ وَاحِدٌ فَالْمُعَارَضَةُ بَيْنَ أَبْعَاضِهِ كَالْمُعَارَضَةِ بَيْنَ أَبْعَاضِ الْأَسْمَاءِ الْمُرَكَّبَةِ . وَهَذَا كَلَامٌ بَيِّنٌ خُصُوصًا فِي " بَابِ الْوُقُوفِ " فَإِنَّ الْوَاقِفَ يُرِيدُ أَنْ يَشْرِطَ شُرُوطًا كَثِيرَةً فِي الْمَوْقُوفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ : مِنْ الْجَمْعِ وَالتَّرْتِيبِ وَالتَّسْوِيَةِ وَالتَّفْضِيلِ وَالْإِطْلَاقِ وَالتَّقَيُّدُ : يَحْتَمِلُ سِجِلًّا كَبِيرًا . ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مُسْلِمٌ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ أَوَّلِ كَلَامِهِ إطْلَاقًا وَعُمُومًا وَإِلْغَاءَ آخِرِهِ أَوْ يَجْعَلُ مَا قَيَّدَهُ وَفَصَّلَهُ وَخَصَّصَهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مُنَاقِضًا أَوْ مُعَارِضًا لِمَا صَدَرَ
بِهِ
كَلَامُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْعَامَّةِ ؛ فَإِنَّ مَثَلَ هَذَا
مَثَلُ رَجُلٍ نَظَرَ فِي وَقْفٍ قَدْ قَالَ وَاقِفُهُ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي
ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ . ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَمِنْ شَرْطِ
الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ أَوْ عُدُولًا وَنَحْوَ ذَلِكَ
فَقَالَ : هَدَّا الْكَلَامُ مُتَعَارِضٌ : لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ قَدْ
وَقَفَ عَلَى الْجَمِيعِ وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ ثُمَّ يَجْعَلُ
هَذَا مِنْ " بَابِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ " وَمِنْ " بَابِ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ
" فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خَبْطٌ ؛ إذْ التَّعَارُضُ فَرْعٌ عَلَى
اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالدَّلَالَةِ وَالِاسْتِقْلَالُ بِالدَّلَالَةِ
فَرْعٌ عَلَى انْقِضَاءِ الْكَلَامِ وَانْفِصَالِهِ فَأَمَّا مَعَ اتِّصَالِهِ
بِمَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ فَلَا يَجُوز جَعْلُ بَعْضِهِ دَلِيلًا مُخَالِفًا
لِبَعْضِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُوَفِّقُنَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا
يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ
مِنْهُمْ . يَجُوز أَنْ يَكُونَ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْوَقْفَ
يَنْتَقِلُ إلَى مَنْ بَقِيَ ؛ وَأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فِي وَسَطِهِ ؛ فَإِنَّ
مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَدْ خَرَّجَ فِي قَوْلِهِ : عَلَى وَلَدِي ثُمَّ عَلَى
وَلَدِ وَلَدِي إذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ ؛ كَالْأَقْوَالِ
الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ : عَلَى أَوْلَادِي الثَّلَاثَةِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ .
أَحَدُهَا - وَهُوَ الْمَشْهُورُ - أَنَّهُ يَكُونُ لِلْبَاقِينَ مِنْ الطَّبَقَةِ
الْعُلْيَا وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ ؛
كَمَا لَوْ انْقَرَضَتْ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ يَكُونُ مَسْكُوتًا فَيَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ ؛ كَمَا لَوْ قَالَ : وَقَفْته عَلَى زَيْدٍ ؛ وَبَعْدَ مَوْتِهِ بِعَشْرِ سِنِينَ عَلَى الْمَسَاكِينِ . وَإِذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ فِي وَسَطٍ عِنْدَ مَوْتِ الْوَاحِدِ مُحْتَمَلًا فَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِفُ هَذَا الشَّرْطَ لِيَنْفِيَ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَإِنْ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ مُقْتَضَى الْوَقْفِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ؛ ثُمَّ مِنْ الشُّرُوطِ مَا يَكُونُ مُطَابِقًا لِمُقْتَضَى الْمَدْلُولِ فَيَزِيدُ مُوجِبُهَا تَوْكِيدًا . قُلْنَا : سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ هَذَا كَلَامُ مَنْ قَدْ نَأَى عَنْ مَوْضِعِ اسْتِدْلَالِنَا . فَإِنَّا لَمْ نَسْتَدِلَّ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ الْمُطْلَقَةِ ؛ وَإِنَّمَا اسْتَدْلَلْنَا بِمَا تَضَمَّنَهُ الشَّرْطُ مِنْ التَّقْيِيدِ ؛ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ جَيِّدٌ لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ قَالَ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ . وَلَوْ قَالَ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ شُبْهَةٌ أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ يَنْتَقِلُ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ مَعَ الْوَلَدِ وَعَدَمِهِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ . مِنْهَا : أَنَّ هَذَا هُوَ مُوجَبُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَمْ يُوصَلْ بِمَا يُغَيِّرُهُ . وَمِنْهَا : أَنَّهُ وَصَلَ بِمَا وَكَّدَ مُوجِبَ مُطْلَقِهِ . وَمِنْهَا : أَنَّهُ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ شَرْطًا نَفَى بِهِ الصَّرْفَ إلَى الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَنَفَى بِهِ الِانْقِطَاعَ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ . وَإِنَّمَا صُورَةُ مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ قَالَ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ
وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ . فَجَعَلَ الِانْتِقَالَ إلَيْهِمْ مَشْرُوطًا بِمَوْتِ الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . وَهَذَا الشَّرْطُ - كَمَا أَنَّهُ قَدْ نَفَى بِهِ الِانْقِطَاعَ فَقَدْ قَيَّدَ بِهِ الِانْتِقَالَ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ وَاللَّفْظُ دَالٌّ عَلَيْهِمَا دَلَالَةً صَرِيحَةً فَإِفَادَتُهُ لِإِحْدَاهُمَا لَا تَنْفِي إفَادَتَهُ لِلْأُخْرَى كَمَا لَوْ قَالَ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي الثَّلَاثَةِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ صُرِفَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ . فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ نَصِيبَهُ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ إذَا مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ . هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ؛ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ : إنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْ مَوْتِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ فَيَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ . وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا : أَنَّهُ يَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّ اللَّفْظَ اقْتَضَى جَعْلَهُ لِلثَّلَاثَةِ ؛ ثُمَّ لِلْمَسَاكِينِ فَحَيْثُ لَمْ يَصْرِفْ إلَى الثَّلَاثَةِ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ لِحَصْرِ الْوَاقِفِ الْوَقْفَ فِيهَا مَعَ أَنَّ بَحْثَ مَسْأَلَتِنَا أَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ؛ بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ قَائِلًا قَدْ قَالَ : إذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ يَكُونُ مُنْقَطِعًا وَإِذَا مَاتَ عَنْ وَلَدٍ لَمْ يَكُنْ : لَجَازَ أَنْ يُقَالَ : هَذَا الشَّرْطُ لِنَفْيِ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ دَالٌّ عَلَى التَّقْيِيدِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صَرْفِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى طَبَقَتِهِ وَعَلَى عَدَمِ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ مَعَ الْوَلَدِ . فَالدَّلَالَةُ الْأُولَى تَنْفِي الِانْقِطَاعَ وَالدَّلَالَةُ الثَّانِيَةُ تُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا .
بَلْ الْأُولَى حَصَلَتْ مِنْ وَضْعِ هَذَا اللَّفْظِ وَالثَّانِيَةُ حَصَلَتْ مِنْ مَجْمُوعِ الشَّرْطِ أَوْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ؛ فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا نَفْيٌ لِلِاحْتِمَالِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْفِهِ فِي أُخْرَى قُلْنَا : هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ لَمْ تَكُنْ الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ مُقَيِّدَةٌ لِلَّفْظِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّ قَوْلَهُ : مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ . مُطْلَقٌ وَقَدْ قَيَّدَهُ : عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . وَفِي مِثْلِ هَذَا لَا يُقَالُ : ذَكَرَ صُورَةً وَتَرَكَ أُخْرَى ؛ إلَّا إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِغَيْرِهِ ؛ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَيْدًا فِي ذَلِكَ الْأَوَّلِ ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا ؛ وَالْحَالُ صِفَةٌ وَالصِّفَةُ مُقَيِّدَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ : بِشَرْطِ أَنَّهُ مَنْ كَانَ مَوْتُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ ؛ أَوْ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الِانْتِقَالَ الْمَشْرُوطَ بِصِفَةِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ . فَقَوْلُهُ : عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . صِفَةٌ لِمَوْتِ الْمَيِّتِ ؛ وَالِانْتِقَالُ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ صِفَةٌ لِلْوَقْفِ وَالْوَقْفُ الْمَوْصُوفُ بِصِفَةِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ مَوْصُوفَةٌ بِأُخْرَى : لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ إلَّا مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ وَصِفَةِ الصِّفَةِ . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَقْفًا عَلَى الْأَوْلَادِ ؛ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ ؛ إلَّا بِشَرْطِ انْتِقَالِ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ .
وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ إلَّا بِشَرْطِ مَوْتِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ أَوْ عَقِبٍ ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ - وَإِنْ بَعُدَ - كَانَ وُجُودُهُ مَانِعًا مِنْ الِانْتِقَالِ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ وَمُوجِبًا لِلِانْتِقَالِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ : عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ . ثُمَّ نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ دَائِمًا مَا تَنَاسَلُوا . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ وُجُوهُ فَسَادِهِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ . لِكَثْرَتِهَا . مِنْهَا : أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ مُجَرَّدَ نَفْيِ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ لَكَانَ التَّعْمِيمُ بِقَوْلِهِ : مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ . أَوْ التَّنْبِيهُ بِقَوْلِهِ : مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ . هُوَ الْوَاجِبُ ؛ فَإِنَّهُ إذَا انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ مَعَ الْوَلَدِ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى . أَمَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى انْتِقَالِهِ إلَى الطَّبَقَةِ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ نَافِيًا بِذَلِكَ احْتِمَالَ الِانْقِطَاعِ ثُمَّ يُرِيدُ مِنَّا أَنْ نَفْهَمَ انْتِقَالَهُ إلَيْهِمْ أَيْضًا مَعَ الْوَلَدِ لِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ : عَلَى وَلَدِي ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِي . مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ الِانْقِطَاعِ هُنَا قَائِمٌ مَعَ احْتِمَالٍ آخَرَ يَنْفَرِدُ بِهِ وَهُوَ الِانْتِقَالُ إلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ انْتِقَالِهِ إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ هُنَا أَظْهَرُ مِنْ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَمَعَ أَنَّ فَهْمَ التَّخْصِيصِ مَعَ التَّقْيِيدِ أَظْهَرُ مِنْ فَهْمِ الِانْقِطَاعِ وَمَعَ أَنَّ دَلَالَةَ قَوْلِهِ : عَلَى وَلَدِ وَلَدِي . فِي الِانْتِقَالِ إلَى الطَّبَقَةِ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهِ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ . فَقَدْ أَرَادَ مِنَّا أَنْ نَفْهَمَ الْكَلَامَ الْمَقْلُوبَ وَنَخْرُجَ عَنْ حُدُودِ الْعَقْلِ وَالْبَيَانِ ؛ فَإِنَّ
تَرْكَهُ لِرَفْعِ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَغَيْرِهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ أَظْهَرُ ؛ وَعُدُولُهُ عَنْ الْعِبَارَةِ الْمُحَقِّقَةِ لِنَفْيِ الِانْقِطَاعِ مُطْلَقًا بِلَا لَبْسٍ إلَى عِبَارَةٍ هِيَ فِي التَّقْيِيدِ أَظْهَرُ مِنْهَا فِي مُجَرَّدِ نَفْيِ انْقِطَاعِ بَعْضِ الصُّوَرِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ . وَنَظِيرُ هَذَا رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَكْرِمْ زَيْدًا إنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَأَكْرِمْهُ . وَكَانَ غَيْرَ صَالِحٍ فَلَمْ يُكْرِمْهُ الْغُلَامُ . فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ : عَصَيْت أَمْرِي . أَلَمْ آمُرْك بِإِكْرَامِهِ ؟ قَالَ : قَدْ قُلْت لِي : إنْ كَانَ صَالِحًا فَأَكْرِمْهُ قَالَ : إنَّمَا قُلْت هَذَا لِئَلَّا تَتَوَهَّمَ أَنِّي أَبْغَضُ الصَّالِحِينَ فَلَا تُكْرِمْهُ مَعَ صَلَاحِهِ فَنَفَيْت احْتِمَالَ التَّخْصِيصِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ . فَهَلْ يُقْبَلُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ عَاقِلٍ أَوْ يُنْسَبُ الْغُلَامُ إلَى تَفْرِيطٍ أَوْ يَقُولُ لِلسَّيِّدِ : هَذِهِ الْعِبَارَةُ دَالَّةٌ عَلَى التَّخْصِيصِ وَلَوْ كُنْت مُثْبِتًا لِلتَّعْمِيمِ لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَقُولَ : أُكْرِمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا ؛ لِأَنَّ إكْرَامَ الصَّالِحِ يَصِيرُ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ ؛ أَوْ أُكْرِمُهُ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا إنْ كَانَ حُبًّا لَك صَحِيحًا وَكَذَا هُنَا يَقُولُ الْمُنَازِعُ : هُوَ نَقَلَهُ إلَى الطَّبَقَةِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ . فَإِذَا قِيلَ لَهُ : فَلِمَ قَيَّدَ النَّقْلَ بِقَوْلِهِ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الطَّبَقَةِ ؟ قَالَ : لِيَنْفِيَ احْتِمَالَ الِانْقِطَاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دُونَ الصُّورَةِ الَّتِي هِيَ أَوْلَى بِنَفْيِ الِانْقِطَاعِ فِيهَا . فَيُقَالُ لَهُ : كَانَ الْكَلَامُ
الْعَرَبِيُّ فِي مِثْلِ هَذَا : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ . أَوْ يَقُولُ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ . فَيَأْتِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ . أَمَّا إذَا قَالَ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . فَهَذَا نَصٌّ فِي التَّقْيِيدِ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ . وَمَنْ تَوَهَّمَ غَيْرَ هَذَا أَوْ جَوَّزَهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ أَوْ جَوَّزَ لِعَاقِلِ أَنْ يُجَوِّزَهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ نِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى الْإِنْسَانِ حَيْثُ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ . وَمَا ظَنِّي أَنَّهُ لَوْ تُرِكَ وَفِطْرَتَهُ تُوُهِّمَ هَذَا وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لِلْمُفْطِرِ آفَاتٌ تَصُدُّهَا عَنْ سَلَامَتِهَا كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ . وَمِنْهَا : أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَنْفِي احْتِمَالًا بَعِيدًا بِإِثْبَاتِ احْتِمَالٍ أَظْهَرَ مِنْهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ لَكَانَ احْتِمَالُ الِانْقِطَاعِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ . فَإِنَّهُ إمَّا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ أَوْ مَعْدُودٌ مِنْ الْوُجُوهِ السُّودِ . وَإِذَا ذُكِرَ الشَّرْطُ صَارَ احْتِمَالُ التَّقْيِيدِ وَتَرْتِيبُ التَّوْزِيعِ احْتِمَالًا قَوِيًّا ؛ إمَّا ظَاهِرًا عِنْدَ الْمُنَازِعِ ؛ أَوْ قَاطِعًا عِنْدَ غَيْرِهِ . فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْوَاقِفِ عَلَى الْمَنْهَجِ الذَّمِيمِ دُونَ الطَّرِيقِ الْحَمِيدِ مَعَ إمْكَانِهِ . وَمِنْهَا : أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَتَفَطَّنُ لَهُ إلَّا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُخْلَقْ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا مِنْ زَمَنٍ قَرِيبٍ وَاحْتِمَالُ التَّقْيِيدِ أَمْرٌ لُغَوِيٌّ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ . فَكَيْفَ يُحْمَلُ كَلَامُ وَاقِفٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْ احْتِمَالٍ لَا
يَخْطُرُ
إلَّا بِقَلْبِ الْفَرْدِ مِنْ النَّاسِ بَعْدَ الْفَرْدِ . وَلَعَلَّهُ لَمْ يَخْطُرْ
بِبَالِ الْوَاقِفِ ؛ دُونَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْ احْتِمَالٍ
قَائِمٍ بِقَلْبِ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ أَوْ غَالِبِ الْمُتَكَلِّمِينَ : مُنْذُ عَلَّمَ آدَمَ الْبَيَانَ .
وَمِنْهَا أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا كَانَ قَصْدُهُ نَفْيَ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ
فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِقَوْلِهِ
: عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . أَيْضًا صَالِحٌ لِأَنْ يَكُونَ
نَفَى بِهِ احْتِمَالَ الِانْقِطَاعِ فِي الصُّوَرِ الْأُخْرَى وَيَكُونُ نَفْيُ
احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِيهَا بِانْتِقَالِ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ
إلَى وَلَدِهِ ؛ فَإِنَّ هَذَا فِيهِ صَوْنُ هَذَا التَّقْيِيدِ عَنْ الْإِلْغَاءِ
وَرَفْعٌ لِلِانْقِطَاعِ فِي الصُّورَتَيْنِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَمْلَ كَلَامِ
الْوَاقِفِ عَلَى هَذَا أَحْسَنُ مِنْ جَعْلِهِ مُهْدَرًا مَبْتُورًا . وَمِنْهَا
: أَنَّ هَذَا الْمَقْصُودَ كَانَ حَاصِلًا عَلَى التَّمَامِ لَوْ قَالَ : عَلَى
أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ . فَزِيَادَةُ اللَّفْظِ وَنَقْصُ الْمَعْنَى خَطَأٌ
لَا يَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ
لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ .
مِنْهَا : أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ
قَوْلَهُ : عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ . مُقْتَضٍ لِتَرْتِيبِ
الْمَجْمُوعِ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَهَذَا الِاقْتِضَاءُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ وَصْلِ
اللَّفْظِ بِمَا يُقَيِّدُهُ ؛ فَإِنَّهُ إذَا وَصَلَ بِمَا يُقَيِّدُهُ
وَيَقْتَضِي تَرْتِيبَ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ : مِثْلَ قَوْلِهِ : عَلَى
أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ . وَنَحْوَ
ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ : كَانَ ذَلِكَ الِاقْتِضَاءُ مُنْتَفِيًا
بِالِاتِّفَاقِ . وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ قَوْلُهُ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . ظَاهِرٌ فِي تَقْيِيدِ الِانْتِقَالِ بِعَدَمِ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَصْرِفُهُ مَنْ يَصْرِفُهُ عَنْ هَذَا الظُّهُورِ لِمُعَارَضَةِ الْأَوَّلِ لَهُ وَشَرْطُ كَوْنِ الْأَوَّلِ دَلِيلًا عَدِمَ الصِّلَةَ الْمُغَيِّرَةَ فَيَدُورُ الْأَمْرُ فَتَبْطُلُ الدَّلَالَةُ . وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ كَوْنَ الْأَوَّلِ مُقْتَضِيًا لِتَرْتِيبِ الْمَجْمُوعِ إلَّا مَعَ الِانْقِطَاعِ عَنْ الْمُغِيرِ وَلَا يَثْبُتُ هُنَا الِانْقِطَاعُ عَنْ الْمُغِيرِ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّغْيِيرِ ؛ بَلْ عَلَى مَعْنًى آخَرَ . وَلَا تَثْبُتُ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ دَلِيلٌ عَلَى تَرْتِيبِ الْمَجْمُوعِ . وَهَذَا هُوَ الدَّوْرُ وَهُوَ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَطْلُوبَ مُقَدِّمَةٌ فِي إثْبَاتِ نَفْسِهِ . وَمِنْهَا أَنْ يُقَالَ : قَوْلُهُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . قَيْدٌ فِي الِانْتِقَالِ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ قَالَ : لَيْسَ بِقَيْدِ . فَهُوَ مُكَابَرَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي اللُّغَةِ . وَإِنْ قَالَ : هُوَ قَيْدٌ قِيلَ لَهُ : فَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِدُونِ قَيْدِهِ . فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ بِالدَّلِيلِ الْأَوَّلِ . قِيلَ : فَيَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ مُطْلَقًا عَمَّا قُيِّدَ بِهِ فِي آخِرِهِ . فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ عُلِمَ أَنَّهُ مُكَابِرٌ . وَإِنْ قَالَ : لَا . ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ . وَهَذِهِ مُقَدِّمَاتٌ يَقِينِيَّةٌ لَا يَقْدَحُ فِيهَا كَوْنُ الْكَلَامِ لَهُ فَوَائِدُ أُخَرَ . وَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا مُقَدِّمَةً لَمْ يَبْقَ إلَّا مُعَانِدًا أَوْ مُسَلِّمًا لِلْحَقِّ . وَمِنْهَا : أَنَّهُ إذَا قِيلَ بِأَنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا إذَا مَاتَ عَنْ وَلَدٍ : كَانَ لِهَذَا السُّؤَالِ
وَجْهٌ
؛ لَكِنْ يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُنَازِعِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا مَعَ
مَوْتِهِ عَنْ وَلَدٍ فَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَلَدِ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ
. وَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ إلَى الطَّبَقَةِ : فَمُحَالٌ أَنْ يَقُولَ فَقِيهٌ :
إنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الطَّبَقَةِ مَعَ الْوَلَدِ وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا مَعَ
عَدَمِ الْوَلَدِ . فَثَبَتَ أَنَّ جَعْلَ هَذَا الْكَلَامِ رَفْعًا لِاحْتِمَالِ
الِانْقِطَاعِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى انْتِقَالِ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى عَنْ
وَلَدٍ إلَى وَلَدِهِ . وَدَلَائِلُ هَذَا مِثْلُ الْمَطَرِ . وَاَللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى
سَوَاءِ الصِّرَاطِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ
قَوْلَهُ : عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ . مُقْتَضٍ لِلتَّرْتِيبِ
. وَهُوَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ الْأَوْلَادِ .
وَهُنَا جَمْعَانِ : أَحَدُهُمَا مُرَتَّبٌ عَلَى الْآخَرِ . وَالْأَحْكَامُ
الْمُرَتَّبَةُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْعَامَّةِ نَوْعَانِ . أَحَدُهُمَا : مَا
يَثْبُتُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعَامِّ سَوَاءٌ قُدِّرَ وُجُودُ
الْفَرْدِ الْآخَرِ أَوْ عَدَمُهُ . وَالثَّانِي : مَا يَثْبُتُ لِمَجْمُوعِ
تِلْكَ الْأَفْرَادِ ؛ فَيَكُونُ وُجُودُ كُلٍّ مِنْهَا شَرْطًا فِي ثُبُوتِ
الْحُكْمِ لِلْآخَرِ . مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ } . وَمِثَالُ
الثَّانِي قَوْله تَعَالَى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } فَإِنَّ الْخَلْقَ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَنْ النَّاسِ ؛ وَكُلًّا مِنْهُمْ مُخَاطَبٌ بِالْعِبَادَةِ وَالطَّهَارَةِ ؛ وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مَنْ الْأُمَّةِ أُمَّةً وَسَطًا . وَلَا خَيْرَ أُمَّةٍ . ثُمَّ الْعُمُومُ الْمُقَابِلُ بِعُمُومِ آخَرَ قَدْ يُقَابِلُ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ آمَنَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ . وَقَدْ يُقَابِلُ الْمَجْمُوعَ بِالْمَجْمُوعِ بِشَرْطِ الِاجْتِمَاعِ مِنْهُمَا ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } فَإِنَّ الِالْتِقَاءَ ثَبَتَ لِكُلِّ مِنْهُمَا حَالَ اجْتِمَاعِهِمَا . وَقَدْ يُقَابِلُ شَرْطَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِ : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فَإِنَّ مَجْمُوعَ الْأُمَّةِ خَيْرٌ لِلنَّاسِ مُجْتَمِعِينَ وَمُنْفَرِدِينَ . وَقَدْ يُقَابِلُ الْمَجْمُوعَ بِالْمَجْمُوعِ بِتَوْزِيعِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ العمومين وَاحِدٌ مِنْ الْعُمُومِ الْآخَرِ كَمَا يُقَالُ : لَبِسَ النَّاسُ ثِيَابَهُمْ وَرَكِبَ النَّاسُ دَوَابَّهُمْ . فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَلَبِسَ ثَوْبَهُ . وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ : النَّاسُ يُحِبُّونَ أَوْلَادَهُمْ . أَيْ : كُلُّ وَاحِدٍ يُحِبُّ وَلَدَهُ ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ } أَيْ كُلُّ وَالِدَةٍ تُرْضِعُ وَلَدَهَا ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْت : النَّاسُ يُعَظِّمُونَ الْأَنْبِيَاءَ ؛ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُعَظِّمُ كُلَّ وَاحِدٍ مَنْ الْأَنْبِيَاءِ . فَقَوْلُ الْوَاقِفِ : عَلَى أَوْلَادِهِ ؛ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ : قَدْ اقْتَضَى تَرْتِيبَ
أَحَدِ العمومين عَلَى الْآخَرِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْعُمُومَ الثَّانِيَ بِمَجْمُوعِهِ مُرَتَّبٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْعُمُومِ الْأَوَّلِ وَعَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَلَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ الثَّانِي فِي الْوَقْفِ حَتَّى يَنْقَضِيَ جَمِيعُ أَفْرَادِ الْعُمُومِ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ تَرْتِيبًا يُوَزِّعُ فِيهِ الْأَفْرَادَ عَلَى الْأَفْرَادِ فَيَكُونُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دَاخِلًا عِنْدَ عَدَمِ وَالِدِهِ ؛ لَا عِنْدَ عَدَمِ وَالِدِ غَيْرِهِ ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ } وَقَوْلِهِمْ : النَّاسُ يُحِبُّونَ أَوْلَادَهُمْ . وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ صَلَاحًا قَوِيًّا ؛ لَكِنْ قَدْ يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَسْبَابِ أُخْرَى كَمَا رَجَّحَ الْجُمْهُورُ تَرْتِيبَ الْكُلِّ عَلَى الْكُلِّ فِي قَوْلِهِ : وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ . فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةِ مُسَاوَاةٌ فِي الْعَدَدِ حَتَّى يَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مُرَتَّبًا عَلَى الْآخَرِ وَلَا مُنَاسَبَةٌ تَقْتَضِي أَنْ يُعَيِّنَ لِزَيْدِ هَذَا الْمِسْكِينَ وَلِعَمْرِو هَذَا وَلِبَكْرِ هَذَا ؛ بِخِلَافِ قَوْلِنَا : النَّاسُ يُحِبُّونَ أَوْلَادَهُمْ ؛ فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَنْ لَهُ وَلَدٌ . فَصَارَ أَحَدُ العمومين مُقَاوِمًا لِلْآخَرِ . وَفِي أَوْلَادِهِمْ مِنْ الْإِضَافَةِ مَا اقْتَضَى أَنْ يُعَيِّنَ لِكُلِّ إنْسَانٍ وَلَدَهُ دُونَ وَلَدِ غَيْرِهِ . وَكَمَا يَتَرَجَّحُ الْمَعْنَى الثَّانِي فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ } إلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَنْ الْمُخَاطَبِينَ جَمِيعَ أُمَّهَاتِ الْمُخَاطَبِينَ وَبَنَاتَهمْ ؛ وَإِنَّمَا حَرَّمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أُمَّهُ وَبِنْتَه
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } فَإِنَّهُ لَيْسَ لِجَمِيعِ الْأَزْوَاجِ نِصْفُ مَا تَرَكَ جَمِيعُ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ مَا تَرَكَتْ زَوْجَتُهُ فَقَطْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } إنَّمَا مَعْنَاهُ اتَّبَعَ كُلُّ وَاحِدٍ ذُرِّيَّتَهُ ؛ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الذُّرِّيَّةِ اتَّبَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْآبَاءِ . وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ : مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : النَّاسُ فِي دِيَارِهِمْ وَمَعَ أَزْوَاجِهِمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيُنْفِقُونَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . ثُمَّ الَّذِي يُوَضِّحُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى قَوِيٌّ فِي الْوَقْفِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ . أَحَدُهَا : أَنَّ أَكْثَرَ الْوَاقِفِينَ يَنْقُلُونَ نَصِيبَ كُلِّ وَالِدٍ إلَى وَلَدِهِ لَا يُؤَخِّرُونَ الِانْتِقَالَ إلَى انْقِضَاءِ الطَّبَقَةِ ؛ وَالْكَثْرَةُ دَلِيلُ الْقُوَّةِ ؛ بَلْ وَالرُّجْحَانِ . الثَّانِي : أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ يُقْصَدُ بِهِ غَالِبًا أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْرُوثِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَكْبَرَ انْتِفَاعُ الذُّرِّيَّةِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُهُمْ إذْهَابَ عَيْنِهِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِيرَاثِ هُنَا شَبَهٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْوَلَدِ فِيهِمَا . ثُمَّ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَوْ أُطْلِقَتْ فِي الْمِيرَاثِ كَمَا أَطْلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ }
{ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } لَمَا فُهِمَ مِنْهَا
إلَّا مُقَابَلَةُ التَّوْزِيعِ لِلْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ ؛ لَا
مُقَابَلَةُ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ وَلَا مُقَابَلَةُ كُلُّ وَاحِدٍ بِكُلِّ
وَاحِدٍ وَلَا مُقَابَلَةُ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْمَجْمُوعِ كَمَا لَوْ قَالَ
الْفَقِيهُ لِرَجُلِ : مَالُك يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِك ثُمَّ إلَى وَرَثَتِهِمْ ؛
فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ .
فَلْيَكُنْ قَوْلُهُ : عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ
كَذَلِكَ ؛ إمَّا صَلَاحًا وَإِمَّا ظُهُورًا .
الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : فِي أَوْلَادِهِمْ .
مُحَالٌ أَنْ يَحْصُلَ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ مُقَابَلَةُ كُلِّ فَرْدٍ بِكُلِّ
فَرْدٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ لَيْسَ مُضَافًا إلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مَنْ الْوَالِدَيْنِ ؛ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : ثُمَّ عَلَى مَا لِكُلِّ
وَاحِدٍ مَنْ الْأَوْلَادِ . فَإِذَا قَالَ : وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو
وَبَكْرٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ . فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو
وَبَكْرٍ وَهَذِهِ الْمُقَابَلَةُ مُقَابَلَةُ التَّوْزِيعِ . وَفِي الْكَلَامِ
مَعْنَيَانِ : إضَافَةٌ وَتَرْتِيبٌ . فَإِذَا كَانَتْ مُقَابَلَةُ
الْإِضَافَةِ مُقَابَلَةُ تَوْزِيعٍ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُقَابَلَةُ
التَّرْتِيبِ أَيْضًا مُقَابَلَةُ تَوْزِيعٍ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ { يُرْضِعْنَ
أَوْلَادَهُنَّ } لَمَّا كَانَ مَعْنَى إرْضَاعٍ وَإِضَافَةٍ وَالْإِضَافَةُ
مُوَزَّعَةٌ : كَانَ الْإِرْضَاعُ مُوَزَّعًا . وَقَوْلُهُ { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا
تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } لَمَّا كَانَ مَعْنَى إضَافَةٍ مُوَزَّعَةٍ : كَانَ
الِاسْتِحْقَاقُ مُوَزَّعًا . وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك أَنَّ مُقَابَلَةَ
التَّوْزِيعِ فِي هَذَا الضَّرْبِ قَوِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ رَاجِحَةً أَوْ
مَرْجُوحَةً أَوْ مكافية .
وَلِلنَّاسِ تَرَدُّدٌ فِي مُوجَبِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْوَقْفِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ يُرَجِّحُونَ تَرْتِيبَ الْجَمْعِ عَلَى الْجَمْعِ بِلَا تَوْزِيعٍ كَمَا فِي قَوْلِنَا : عَلَى هَؤُلَاءِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ . وَلِأَصْحَابِنَا فِي مُوجَبِ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَجْهَانِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي قَوْلِهِ : وَقَفْت عَلَى هَذَيْنِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ خِلَافًا . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مَا قَدَّمْنَاهُ . وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لِتَرْتِيبِ الْجَمْعِ عَلَى الْجَمْعِ . وَلَهُمْ وَجْهٌ : أَنَّهُ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ أَوْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ . وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ وَجْهًا أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ يَنْتَقِلُ إلَى جَمِيعِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ . وَلَيْسَ الْغَرَضُ هُنَا الْكَلَامَ فِي مُوجَبِ هَذَا اللَّفْظِ لَوْ أُطْلِقَ فَإِنَّا إنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهِ يَقْتَضِي تَرْتِيبَ الْجَمْعِ عَلَى الْجَمْعِ ؛ إذْ الْكَلَامُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْآخَرِ ظَاهِرٌ فَأَمَّا صَلَاحُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَيَيْنِ فَلَا يُنَازِعُ فِيهِ مَنْ تَصَوَّرَ مَا قُلْنَاهُ . وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَالِحٌ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا وَصَلَ بِمَا يُمَيِّزُ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ الصَّالِحَيْنِ لَهُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يَسْتَرِيبُ عَاقِلٌ فِي أَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ أَنْ يَنْقُلَ نَصِيبَ كَلِّ وَالِدٍ إلَى وَلَدِهِ ؛ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ بَلْ لَمْ يَكُنْ إلَى ذِكْرِ الشَّرْطِ حَاجَةٌ أَصْلًا . أَكْثَرُ مَا يُقَالُ : إنَّهُ تَوْكِيدٌ لَوْ خَلَا عَنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ . فَيُقَالُ : حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى التَّوْكِيدِ
وَاعْلَمْ
أَنَّ هَذِهِ الدَّلَالَةَ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : صَلَاحُ اللَّفْظِ
الْأَوَّلِ لِتَرْتِيبِ التَّوْزِيعِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمَفْهُومَ يُشْعِرُ
بِالِاخْتِصَاصِ . وَهَذَا لَا يُنَازِعُ فِيهِ عَاقِلٌ وَإِنْ نَازَعَ فِي
كَوْنِهِ دَلِيلًا . الثَّالِثُ : أَنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنْ التَّوْكِيدِ
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ ؛ وَلَا مِنْ بَابِ تَقْيِيدِ
الْكَلَامِ الْمُطْلَقِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ تَفْسِيرِ اللَّفْظِ الَّذِي
فِيهِ احْتِمَالُ الْمَعْنَيَيْنِ
. فَإِنْ قُلْتُمْ : اللَّفْظُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ
ظَاهِرًا فِي تَرْتِيبِ الْجَمْعِ فَهَذَا صَرْفٌ لِلظَّاهِرِ . وَإِنْ قُلْتُمْ :
هُوَ مُحْتَمَلٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي التَّوْزِيعِ : مَنَعْنَاكُمْ وَإِنْ قُلْتُمْ
لَا يُوصَفُ اللَّفْظُ بِظُهُورِ وَلَا إكْمَالٍ إلَّا عِنْدَ تَمَامِهِ وَالْأَوَّلُ
لَمْ يَتِمَّ : فَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ فَمَا الْفَرْقُ
بَيْنَهُمَا ؟ قُلْنَا : فِي الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ بَيَانُ أَنَّ اللَّفْظَ
الْأَوَّلَ لَوْ كَانَ نَصًّا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
فَإِنَّ وَصْلَهُ بِمَا يُقَيِّدُهُ يُبْطِلُ تِلْكَ الدَّلَالَةَ كَمَا لَوْ
قَالَ : وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ قَالَ : إنْ كَانَ فَقِيرًا فَهَذَا لَا
يُعَدُّ تَفْسِيرًا لِلَفْظِ مُحْتَمَلٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَقْيِيدٌ . وَفِي هَذَا
الدَّلِيلِ بَيَانُ أَنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ مُحْتَمَلٌ لِمَعْنَيَيْنِ وَلَا
يَجُوزُ وَصْفُهُ بِظُهُورِ فِي أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْفَصِلَ عَمَّا
بَعْدَهُ . فَأَمَّا إذَا اتَّصَلَ بِمَا بَعْدَهُ بَيَّنَ ذَلِكَ الْوَصْلُ
أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ .
فَقَوْلُكُمْ : اللَّفْظُ الْأَوَّلُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ مُحْتَمَلًا . قُلْنَا : قَبْلَ تَمَامِهِ لَا يُوصَفُ بِوَاحِدِ مَنْ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا قَدْ يُوصَفُ بِالصَّلَاحِ لِلْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ . وَلَا يُقَالُ فِيهِ : صَرْفٌ لِلظَّاهِرِ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَا ظَاهِرَ لِكَلَامِ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْكَلَامِ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ عِنْدَ فَرَاغِ الْمُتَكَلِّمِ . وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَنْشَأُ الْغَلَطِ فِي عُمُومِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ . عَامٌّ فِي أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ بِلَا تَرَدُّدٍ . فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدٍ مِنْهُمْ . وَهُوَ مُقْتَضٍ لِلتَّرْتِيبِ أَيْضًا ؛ فَإِنَّ الْأَوْلَادَ مُرَتَّبُونَ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لَكِنْ مَا صِفَةُ هَذَا الْعُمُومِ : أَهُوَ عُمُومُ التَّفْسِيرِ وَالتَّوْزِيعِ الْمُقْتَضِي لِمُقَابَلَةِ كُلِّ فَرْدٍ بِفَرْدِ ؟ أَوْ عُمُومُ الشِّيَاعِ الْمُقْتَضِي لِمُقَابَلَةِ كُلِّ فَرْدٍ بِكُلِّ فَرْدٍ ؟ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي هَذَا بِمَعْنَى أَنَّهُ نَصٌّ فِيهِ فَهُوَ جَاهِلٌ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ خَارِجٌ عَنْ مَنَاهِجِ الْعُقُولِ الطَّبِيعِيَّةِ . وَمَنْ سَلَّمَ صَلَاحَ اللَّفْظِ لَهُمَا ؛ وَادَّعَى رُجْحَانَ أَحَدِهِمَا عِنْدَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ : لَمْ نُنَازِعْهُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مَسْأَلَتُنَا . وَإِنْ نَازَعَ فِي رُجْحَانِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بَعْدَ تِلْكَ الصِّلَةِ فَهُوَ أَيْضًا مُخْطِئٌ قَطْعًا . وَهَذِهِ حُجَّةٌ عِنْدَ مُثْبِتِي الْمَفْهُومِ ونفاته ؛ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ ؛ فَإِنَّ نَافِيَ الْمَفْهُومِ يَقُولُ : الْمَسْكُوتُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الثَّانِي ؛ لَكِنْ إنْ دَخَلَ فِي الْأَوَّلِ عَمِلْت بِهِ ؛ وَنُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَوْ إذَا عَلِمَ أَنْ لَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ سِوَى الِاخْتِصَاصِ بِالْحُكْمِ : كَانَ الْمَفْهُومُ دَلِيلًا . فَإِذَا تَأَمَّلَ قَوْلَهُ :
عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِأَهْلِ طَبَقَتِهِ . قَالَ إنْ كَانَ مُرَادُ الْوَاقِفِ عُمُومَ الشِّيَاعِ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ مُقَيِّدًا لِبَيَانِ مُرَادِهِ وَمَتَى دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ مُفَسِّرَةً لِلَّفْظِ الْأَوَّلِ ؛ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ لَغْوًا : كَانَ حَمْلُهَا عَلَى الْإِفَادَةِ وَالتَّفْسِيرِ أَوْلَى ؛ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنِّي أَعْتَبِرُهَا ؛ وَاعْتِبَارُ كَلَامِ الْوَاقِفِ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِهِ . وَالثَّانِي : أَجْعَلُهَا بَيَانًا لِلَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ حِينَئِذٍ ؛ فَأَدْفَعُ بِهَا احْتِمَالًا كُنْت أَعْمَلُ بِهِ لَوْلَا هِيَ وَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ مُحْتَمِلًا لِمَعْنَيَيْنِ كَانَ الْمُقْتَضِي لِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا قَائِمًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الِاقْتِضَاءُ مَانِعًا مِنْ النَّقِيضِ أَوْ غَيْرَ مَانِعٍ . فَإِذَا حَمَلْت هَذَا اللَّفْظَ عَلَى الْبَيَانِ كُنْت قَدْ وَفَيْت الْمُقْتَضِي حَقَّهُ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَصُنْت الْكَلَامَ الَّذِي يُمَيَّزُ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ عَنْ الْإِهْدَارِ وَالْإِلْغَاءِ . فَأَيْنَ هَذَا مِمَّنْ يَأْخُذُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ أَوَّلُ اللَّفْظِ وَيُهْدِرُ آخِرَهُ ؛ وَيَنْسِبُ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ إلَى الْعِيِّ وَاللَّغْوِ . وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ : عَلَى أَنَّهُ . مِنْ صِيَغِ الِاشْتِرَاطِ وَالتَّقْيِيدِ وَالشَّرْطُ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا يَحْتَمِلُهُ الْعَقْدُ ؛ مَعَ أَنَّ إطْلَاقَهُ لَا يَقْتَضِيه . بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ : بِعْت وَاشْتَرَيْت . لَا يَقْتَضِي أَجَلًا وَلَا رَهْنًا وَلَا ضَمِينًا وَلَا نَقْدًا غَيْرَ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا صِفَةً زَائِدَةً فِي الْمَبِيعِ ؛ لَكِنْ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ صَالِحٌ لِهَذَا وَلِهَذَا ؛ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْفِي هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يُوجِبُهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا . فَمَتَى قَالَ : عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي بِهِ
كَذَا
كَانَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ : بِعْتُك بِأَلْفِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : بِأَلْفِ مُتَعَلِّقَةٍ بِرَهْنِ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : عَلَى أَنَّهُ
مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ .
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ لَمْ يَكُنْ نَصِيبُهُ
لِذَوِي طَبَقَتِهِ . وَهَذِهِ دَلَالَةُ الْمَفْهُومِ ؛ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ
تَقْرِيرِهَا ؛ لَكِنْ نَذْكُرُ هُنَا نُكَتًا تُحْصِلُ الْمَقْصُودَ . أَحَدُهَا
: أَنَّ الْقَوْلَ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ
قَدِيمًا وَحَدِيثًا : مِنْ الْمَالِكِيَّةِ و الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ
؛ بَلْ هُوَ نَصُّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا خَالَفَ طَوَائِفَ مِنْ
الْمُتَكَلِّمِينَ مَعَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ . فَيَجِبُ أَنْ يُضَافَ إلَى
مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ مَا يُوَافِقُ أُصُولَهُمْ . فَمَنْ نَسَبَ خِلَافَ هَذَا
الْقَوْلِ إلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ كَانَ مُخْطِئًا . وَإِنْ كَانَ بِمَا
يَتَكَلَّمُ بِهِ مُجْتَهِدًا فَيَجِبُ أَنْ يَحْتَوِيَ عَلَى أَدَوَاتِ
الِاجْتِهَادِ . وَمِمَّا يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبُ ظَنُّ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ
دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ حُجَّةٌ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ دُونَ كَلَامِ النَّاسِ ؛
بِمَنْزِلَةِ الْقِيَاسِ . وَهَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ النَّاسِ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ
إمَّا قَائِلٌ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ جُمْلَةِ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ . أَوْ
قَائِلٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَتِهَا . أَمَّا هَذَا التَّفْصِيلُ فَمُحْدَثٌ
. ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ إنَّمَا قَالُوا هُوَ حُجَّةٌ فِي
الْكَلَامِ مُطْلَقًا ؛ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً بِكَلَامِ النَّاسِ
. وَبِمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ ؛ وَبِأَدِلَّةِ عَقْلِيَّةٍ
تُبَيِّنُ لِكُلِّ ذِي نَظَرٍ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ مِنْ جِنْسِ دَلَالَةِ الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ وَهُوَ دَلَالَةٌ مِنْ دَلَالَاتِ اللَّفْظِ . وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ وَالْقِيَاسُ لَيْسَ مِنْ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ دَلِيلًا بِنَصِّ الشَّارِعِ ؛ بِخِلَافِ الْمَفْهُومِ ؛ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ فِي اللُّغَةِ ؛ وَالشَّارِعُ بَيَّنَ الْأَحْكَامَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ . الثَّانِي : أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ الِاسْمِ الْعَامِّ وَهَذَا قَدْ وَافَقَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِمَّنْ خَالَفَ فِي الصِّفَةِ الْمُبْتَدَأَةِ حَتَّى إنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ يَكُونُ حُجَّةً فِي الِاسْمِ غَيْرِ الْمُشْتَقِّ ؛ كَمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا } " { وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا طَهُورًا } . وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ : النَّاسُ رَجُلَانِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَيَجِبُ عَلَيْك أَنْ تُحْسِنَ إلَيْهِ . عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَصَدَ تَخْصِيصَ الْمُسْلِمِ بِهَذَا الْحُكْمِ ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً : يَجِبُ عَلَيْك أَنْ تُحْسِنَ إلَى الْمُسْلِمِ . فَإِنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ حُكْمِهِ غَالِبًا ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ : " { كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ } و كَذَلِكَ " { فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ } أَقْوَى مِنْ قَوْلِهِ " { فِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ } لِأَنَّهُ إذَا قَالَ " { فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ } فَلَوْ كَانَ حُكْمُهَا مَعَ السَّوْمِ وَعَدَمِهِ سَوَاءً لَكَانَ قَدْ طَوَّلَ اللَّفْظَ وَنَقَّصَ الْمَعْنَى أَمَّا
إذَا قَالَ : " { فِي السَّائِمَةِ } فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهَا أَغْلَبَ الْأَمْوَالِ أَوْ لِكَوْنِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهَا أَمَسَّ وَهَذَا بَيِّنٌ كَذَلِكَ هُنَا إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى طَبَقَتِهِ مَعَ الْوَلَدِ وَعَدَمِهِ . فَلَوْ قَالَ : فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ كَانَ نَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ . كَانَ قَدْ عَمَّمَ الْحُكْمَ الَّذِي أَرَادَهُ ؛ وَاخْتَصَرَ اللَّفْظَ . فَإِذَا قَالَ : فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ كَانَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ . كَانَ قَدْ طَوَّلَ الْكَلَامَ وَنَقَّصَ الْمَعْنَى ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا حُمِلَ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِالْحُكْمِ ؛ فَإِنَّهُ يَبْقَى الْكَلَامُ صَحِيحًا مُعْتَبَرًا وَالْوَاجِبُ اعْتِبَارُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا أَمْكَنَ . وَلَا يَجُوز إلْغَاؤُهُ بِحَالِ مَعَ إمْكَانِ اعْتِبَارِهِ . الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ نفاة الْمَفْهُومِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ سَبَبٌ غَيْرُ التَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ : إمَّا عَدَمُ الشُّعُورِ بِالْمَسْكُوتِ أَوْ عَدَمُ قَصْدِ بَيَانِ حُكْمِهِ أَوْ كَوْنِ الْمَسْكُوتِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْهُ أَوْ كَوْنِهِ مُسَاوِيًا لَهُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَوْ كَوْنِهِ سُئِلَ عَنْ الْمَنْطُوقِ أَوْ كَوْنِهِ قَدْ جَرَى بِسَبَبِ أَوْجَبَ بَيَانَ الْمَنْطُوقِ أَوْ كَوْنِ الْحَاجَةِ دَاعِيَةً إلَى بَيَانِ الْمَنْطُوقِ أَوْ كَوْنِ الْغَالِبِ عَلَى أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ هُوَ الْمَنْطُوقُ فَإِذَا عُلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنْ لَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَنَحْوِهَا عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْحُكْمِ .
وَلِهَذَا كَانَ نفاة الْمَفْهُومِ يَحْتَجُّونَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِمَفْهُومَاتِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ أَنْ يَظْهَرَ قَصْدُ التَّخْصِيصِ فِي بَعْضِ الْمَفْهُومَاتِ . وَهَذَا مِنْ هَذَا الْبَابِ ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . قَدْ يُشْعِرُ بِالْقِسْمَيْنِ وَلَهُ مَقْصُودٌ فِي بَيَانِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ نَصِيبَ الْمَيِّتِ يَنْتَقِلُ إلَى إخْوَتِهِ عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَيْهِمْ مَعَ وُجُودِ وَلَدِهِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى بَيَانِ النَّوْعَيْنِ ؛ بَلْ لَوْ كَانَ النَّوْعَانِ عِنْدَهُ سَوَاءً - وَقَدْ خَصَّ بِالذِّكْرِ حَالَ عَدَمِ الْوَالِدِ - لَكَانَ مُلْبِسًا مُعْمِيًا ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ خِلَافَ مَا قُصِدَ بِخِلَافِ مَا إذَا حُمِلَ عَلَى التَّخْصِيصِ . الرَّابِعُ : أَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ مُنَاسِبًا اقْتَضَى الْعَلِيَّةَ . وَكَوْنُ الْمَيِّتِ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا مُنَاسِبٌ لِنَقْلِ حَقِّهِ إلَى أَهْلِ طَبَقَتِهِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّقْلِ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ الْمَوْتُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَيَزُولُ هَذَا بِزَوَالِ عِلَّتِهِ وَهُوَ وُجُودُ الْوَلَدِ . الْخَامِسُ : أَنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْخِطَابَ فُهِمَ مِنْهُ التَّخْصِيصُ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ هَذَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ . إمَّا أَصْلِيَّةٌ لُغَوِيَّةٌ أَوْ طَارِيَةٌ مَنْقُولَةٌ . وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُتَصَرِّفِينَ عَلَيْهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . وَاعْلَمْ أَنَّ إثْبَاتَ هَذَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ كَوْنِ الْمَفْهُومِ دَلِيلًا ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ فِي الْمَفْهُومِ إنَّمَا يَدَّعِي سَلْبَ الْعُمُومِ عَنْ الْمَفْهُومَاتِ
لَا
عُمُومَ السَّلْبِ فِيهَا ؛ فَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْمَفْهُومَاتِ دَلِيلًا لِظُهُورِ
الْمَقْصُودِ فِيهَا . وَهَذَا الْمَفْهُومُ كَذَلِكَ ؛ بِدَلِيلِ فَهْمِ النَّاسِ
مِنْهُ ذَلِكَ وَمَنْ نَازَعَ فِي فَهْمِ ذَلِكَ فَإِمَّا فَاسِدُ الْعَقْلِ أَوْ
مُعَانِدٌ . وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي عَدَمَ
الِانْتِقَالِ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ مَعَ وُجُودِ الْأَوْلَادِ فَإِمَّا أَنْ
لَا يُصْرَفَ إلَيْهِمْ وَلَا إلَى الْأَوْلَادِ ؛ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ : عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى
أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا . أَوْ يُصْرَفُ إلَى الْأَوْلَادِ
فَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ يَسْلَمُ أَنَّ الْمَفْهُومَ
دَلِيلٌ ؛ لَكِنْ قَدْ عَارَضَهُ اللَّفْظُ الصَّرِيحُ أَوَّلًا أَوْ اللَّفْظُ
الْعَامُّ : فَلَا يُتْرَكُ ذَلِكَ الدَّلِيلُ لِأَجْلِ الْمَفْهُومِ . قِيلَ :
عَنْهُ أَجْوِبَةٌ .
أَحَدُهَا : أَنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ لَا دَلَالَةَ
فِيهِ بِحَالِ عَلَى شَيْءٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَصِيرُ دَلِيلًا إذَا
تَمَّ وَقُطِعَ عَمَّا بَعْدَهُ .
أَمَّا إذَا وُصِلَ بِمَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ
جُزْءًا مِنْ الدَّلِيلِ ؛ لَا دَلِيلًا . وَجُزْءُ الدَّلِيلِ لَيْسَ هُوَ
الدَّلِيلَ . وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَّصِلَ بَعْضُهُ بِبَعْضِ
يُعَارِضُ آخِرَهُ الْمُقَيَّدَ أَوَّلُهُ الْمُطْلَقُ فَمَا دَرَى أَيَّ شَيْءٍ
هُوَ تَعَارُضُ الدَّلِيلَيْنِ
. الثَّانِي : أَنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ لَوْ فُرِضَ
تَمَامُهُ لَيْسَ بِصَرِيحِ . كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ
لِمَعْنَيَيْنِ . وَأَمَّا كَوْنُهُ عَامًّا فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّا لَا نَخُصُّهُ
بَلْ نُبْقِيه عَلَى
عُمُومِهِ
؛ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي صِفَةِ عُمُومِهِ ؛ بَلْ مَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ أَبْلَغُ
فِي عُمُومِهِ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ يَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي
حَيَاةِ أَعْمَامِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِمْ . وَعَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ إنَّمَا
يَأْخُذُ فِي حَيَاتِهِمْ فَقَطْ . وَاللَّفْظُ الْمُتَنَاوِلُ لَهُمْ فِي حَالَيْنِ
أَعَمُّ مِنْ الْمُتَنَاوِلِ لَهُمْ فِي أَحَدِهِمَا . الثَّالِثُ : لَوْ فُرِضَ أَنَّ هَذَا مِنْ "
بَابِ تَعَارُضِ الْعُمُومِ وَالْمَفْهُومِ " فَالصَّوَابُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا
الْمَفْهُومِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ
الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَقَدْ حَكَاهُ بَعْضُ
النَّاسِ إجْمَاعًا مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ
دَلِيلٌ خَاصٌّ وَالدَّلِيلُ الْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ . وَلَا
عِبْرَةَ بِالْخِلَافِ فِي الْمَفْهُومِ ؛ فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ
مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ ؛ مَعَ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ فِي الْقِيَاسِ
قَرِيبُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ فِي الْمَفْهُومِ ؛ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يَخُصُّ
بِهِ عُمُومَ الْكِتَابِ مَعَ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ
أَكْثَرُ مِنْ الْمُخَالِفِينَ عُمُومَ الْكِتَابِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ مَبْنِيٌّ
عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ . عَائِدٌ إلَى
جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ ؛ وَهَذَا مَمْنُوعٌ ؛ فَإِنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ
الْمُعْتَبِرِينَ مَنْ قَالَ : إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِ إذَا تَعَقَّبَ
جُمَلًا مَعْطُوفَةً (1) وَإِذَا كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ
فَتَبْقَى الْجُمَلُ الْأُولَى عَلَى تَرْتِيبِهَا ؟ .
قِيلَ : هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ . أَحَدُهَا : أَنَّ لَازِمَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ ؛ عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ : لَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الطَّبَقَةِ الْآخِرَةِ وَأَنَّ الطَّبَقَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْهُمْ لَمْ يَنْتَقِلْ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ ؛ بَلْ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ ؛ فَإِنْ الْتَزَمَ الْمُنَازِعُ هَذَا اللَّازِمَ وَقَالَ : كَذَلِكَ أَقُولُ . كَانَ هَذَا قَوْلًا مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي كُلِّ عَصْرٍ وَكُلِّ مِصْرٍ ؛ فَإِنَّ الْوُقُوفَ الْمُشْرَطَةَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ لَا يُحْصِي عَدَدَهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى . وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قُضَاتِهِمْ وَمُفْتِيهمْ وَخَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ يَجْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ لِذَلِكَ وَلَا مُنَازِعٍ فِيهِ . فَمَنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ ابْتَدَعَ قَوْلًا يُخَالِفُ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرُونُ السَّالِفَةُ وَالْعِلْمُ بِهَذَا ضَرُورِيٌّ . ثُمَّ لَوْ فُرِضَ أَنَّ فِي هَذَا خِلَافًا لَكَانَ خِلَافًا شَاذًّا مَعْدُودًا مِنْ الزَّلَّاتِ وَبِحَسَبِ قَوْلٍ مِنْ الضَّعْفِ أَنْ يبنى عَلَى مِثْلِ هَذَا . وَمِنْ لَوَازِمِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ . وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مَنْ
كَانَ مِنْهُمْ فَقِيرًا صُرِفَ إلَيْهِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَنِيًّا لَمْ يُصْرَفْ إلَيْهِ . فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الطَّبَقَةِ الْأُولَى ؛ وَالثَّانِيَةِ سَوَاءٌ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ ؛ أَوْ يَخْتَصُّ التَّفْصِيلُ بِالطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ . وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُعْطِيَ وَمَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ لَمْ يُعْطَ . وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : وَمَنْ شَرَطَ الْوَقْفَ عَلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ . أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُصْرَفَ إلَى فُقَرَائِهِمْ دُونَ أَغْنِيَائِهِمْ . وَهَكَذَا صُوَرٌ كَثِيرَةٌ لَا يَأْتِي عَلَيْهَا الْإِحْصَاءُ مَنْ الْتَزَمَ فِيهَا قِيَاسَ هَذَا الْقَوْلِ كَانَ قَدْ أَتَى بِدَاهِيَةِ دَهْيًا وَإِنْ قَالَ : بَلْ يَعُودُ الشَّرْطُ إلَى جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ ؛ كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ عِنْدَ النَّاسِ فَقَدْ عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا وَاحِدَةٌ مِنْ هَذَا النَّوْعِ ؛ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْ الْفَرْقِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ عَلَى مُمَيَّزٍ . الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إلَّا الِاشْتِرَاطَ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ . وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوُقُوفَ الْمَشْرُوطَةَ بِمِثْلِ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ثُمَّ لَمْ يَفْهَمْ النَّاسُ مِنْهَا إلَّا هَذَا وَلَعَلَّهُ لَمْ يَخْطِرْ الِاخْتِصَاصُ بِالطَّبَقَةِ الْأَخِيرَةِ بِبَالِ وَاقِفٍ وَلَا كَاتِبٍ وَلَا شَاهِدٍ وَلَا مُسْتَمِعٍ وَلَا حَاكِمٍ وَلَا مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَجَبَ حَمْلُ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى عُرْفِهِمْ فِي خِطَابِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفُهُمْ مُوَافِقًا لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ . فَإِنْ كَانَ مُوجَبُ اللُّغَةِ
عَوْدُ الشَّرْطِ إلَى الطَّبَقَاتِ كُلِّهَا فَالْعُرْفُ مُقَرِّرٌ لَهُ . وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ مُوجِبَ اللُّغَةِ قَصْرُهُ عَلَى الطَّبَقَةِ الْأَخِيرَةِ كَانَ الْعُرْفُ مُغَيِّرًا لِذَلِكَ الْوَضْعِ . وَكَلَامُ الْوَاقِفِينَ وَالْحَالِفِينَ وَالْمُوصِينَ وَنَحْوِهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقَائِقِ الْعُرْفِيَّةِ دُونَ اللُّغَوِيَّةِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ : هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْعُرْفِ وَالْأَصْلُ تَقْرِيرُ اللُّغَةِ لَا تَغْيِيرُهَا فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ مَفْهُومُ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ . وَمَنْ نَازَعَ فِي أَنَّ النَّاسَ خَاصَّتَهُمْ وَعَامَّتَهُمْ يَفْهَمُونَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَوْدَ الشَّرْطِ إلَى جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ عُلِمَ أَنَّهُ مُكَابِرٌ وَإِذَا سَلَّمَهُ وَنَازَعَ فِي حَمْلِ كَلَامِ الْمُتَصَرِّفِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَفْهَمُونَهُ عُلِمَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قَوَانِينِ الشَّرِيعَةِ . فَهَاتَانِ مُقَدِّمَتَانِ يَقِينِيَّتَانِ ؛ وَالْعِلْمُ بِهِمَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَوْدِ الشَّرْطِ إلَى جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ . الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ إذَا حَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى عَوْدِ الشَّرْطِ إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ : كَانَتْ فَائِدَتُهُ عَلَى رَأْيِ الْمُنَازِعِ أَنَّهُ لَوْلَا هَذَا الشَّرْطُ لَاشْتَرَكَ الْعَقِبُ فِي جَمِيعِ الْوَقْفِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِمْ مِنْ الطَّبَقَةِ الَّتِي فَوْقَهُمْ وَاَلَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِمْ مِمَّنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . فَإِذَا قَالَ : فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ . أَفَادَ ذَلِكَ أَنْ يَخْتَصَّ ذووا الطَّبَقَةِ بِنَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ؛ دُونَ مَنْ فَوْقَهُمْ وَمَنْ دُونَهُمْ . وَهَذَا لَمْ يَكُنْ مَفْهُومًا مِنْ اللَّفْظِ وَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ اشْتَرَكَ جَمِيعُ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى وَلَدُهُ وَغَيْرُ وَلَدِهِ . وَإِذَا حُمِلَ الْكَلَامُ
عَلَى عَوْدِ الشَّرْطِ إلَى الطَّبَقَاتِ كُلِّهَا أَفَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ نَصِيبُ الْمُتَوَفَّى إلَى طَبَقَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ . وَإِلَى وَلَدِهِ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ . وَمَعْلُومٌ قَطْعًا مِنْ أَحْوَالِ الْخَلْقِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَكَ بَيْنَ جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ لَا يَنْقُلُ نَصِيبَ الْمَيِّتِ إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ فَقَطْ دُونَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ وَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ لَمْ يَنْقُلْهُ إلَى وَلَدِهِ ؛ بَلْ يَجْعَلُهُ كَأَحَدِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ قَدْ جَعَلَ ذَوِي الطَّبَقَةِ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُرَاعِ تَرْتِيبَ الطَّبَقَاتِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يَقْصِدُهُ عَاقِلٌ ؛ فَإِنَّ الْعَاقِلَ إمَّا أَنْ يُرَاعِ تَرْتِيبَ الطَّبَقَاتِ فَلَا يُشْرِكُ أَوْ يَنْقُلُ نَصِيبَ الْمُتَوَفَّى إلَى وَلَدِهِ كَالْإِرْثِ . أَمَّا أَنَّهُ مَعَ التَّشْرِيكِ يَخُصُّ نَصِيبَ الْمُتَوَفَّى إخْوَتَهُ دُونَ وَلَدِهِ : فَهَذَا خِلَافَ الْمَعْلُومِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ . وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الضَّمِيرَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ عَوْدِهِ إلَى الْجَمِيعِ وَعَوْدِهِ إلَى الطَّبَقَةِ الْأَخِيرَةِ كَانَتْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ الْحَالِيَّةُ الْعُرْفِيَّةُ مُعَيَّنَةً لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا يَلْزَمُكُمْ إذَا أَعَدْتُمْ الضَّمِيرَ إلَى الْجَمِيعِ ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فِي أَرْبَعِ طَبَقَاتٍ وَالتَّشْرِيكَ فِي الْبَاقِيَةِ . فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ فِي بَقِيَّةِ الطَّبَقَاتِ مِثْلَمَا نَقُولُهُ . قُلْنَا : هَذَا فِيهِ خِلَافٌ ؛ فَإِنَّ الطَّبَقَاتِ الْبَاقِيَةَ هَلْ يُشْرِكُ بَيْنَهَا عَمَلًا بِمَا تَقْتَضِيه الْوَاوُ مِنْ مُطْلَقِ التَّشْرِيكِ أَوْ يُرَتِّبُ بَيْنَهَا اسْتِدْلَالًا بِالتَّرْتِيبِ فِيمَا
ذَكَرَهُ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْبَاقِي كَمَا هُوَ مَفْهُومُ عَامَّةِ النَّاسِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّ الْوَاوَ كَمَا أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فَهِيَ لَا تَنْفِيه فَإِنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَجَبَ رِعَايَتُهَا . وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي هَذَا . فَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَلَا كَلَامَ . وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ قُلْنَا أَيْضًا : إنَّهُ يَقْتَضِي انْتِقَالَ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِهِ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ ؛ فَإِنَّ نَقْلَ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْوَقْفِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُلُهُ إلَى وَلَدِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَالتَّنْبِيهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْ النَّصِّ حَتَّى فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ . وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : وَقَفْت عَلَى وَلَدِي عَلَى أَنَّهُ مَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يُعْطَى دِرْهَمًا وَاحِدًا . فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى دِرْهَمَانِ بِلَا رَيْبٍ ؛ فَإِنَّهُ نَبَّهَ بِحِرْمَانِهِ الْقَلِيلَ عَلَى حِرْمَانِهِ الْكَثِيرَ كَذَلِكَ نَبَّهَ بِنَقْلِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إلَى إخْوَتِهِ عَلَى نَقْلِهِ إلَى الْوَلَدِ إذَا كَانَا مَوْجُودَيْنِ فَيَكُونُ مَنْعُ الْإِخْوَةِ مَعَ الْوَلَدِ مُسْتَفَادًا مِنْ التَّقْيِيدِ وَإِعْطَاءُ الْوَلَدِ مُسْتَفَادًا مِنْ تَنْبِيهِ الْخِطَابِ وَفَحْوَاهُ . وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ إعْطَاءَ نَصِيبِ الْمَيِّتِ لِذَوِي طَبَقَتِهِ دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْوَقْفِ وَدُونَ تَخْصِيصِ الْأَقْرَبِ إلَى الْمَيِّتِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ سَبَبَ الِاخْتِصَاصِ الْقُرْبَ إلَى الْمَيِّتِ لَا الْقُرْبَ إلَى الْوَاقِفِ وَلَا مُطْلَقَ الِاسْتِحْقَاقِ . وَمَعْلُومٌ
أَنَّ الْوَلَدَ عِنْدَ وُجُودِهِمْ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ فَيَكُونُ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِمْ أَوْكَدَ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ إعْطَاءَهُمْ . وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا . الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ الضَّمِيرَ يَجِبُ عَوْدُهُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَوْدُهُ إلَى الْجَمِيعِ أُعِيدَ إلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِينَ أَوْ إلَى مَا يَدُلُّ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِهِ . فَأَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِبَعْضِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ فَمِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ الْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ الَّذِي لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِ . وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمُضْمَرَةَ إضْمَارَ الْغَيْبَةِ هِيَ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ مَوْضُوعَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهَا دَلَالَةٌ عَلَى جِنْسٍ أَوْ قَدْرٍ . فَلَوْ قَالَ : أَدْخُلُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ ثُمَّ سَائِرِ قُرَيْشٍ وَأَكْرَمَهُمْ وَأَجْلَسَهُمْ وَنَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ : لَكَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا : هَلْ يَعُودُ إلَى جَمِيعِهَا أَوْ إلَى أَقْرَبِهَا ؟ لِأَنَّ الْخِلَافَ هُنَاكَ إنَّمَا نَشَأَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ بَعْضَ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ فَقَالَ مَنْ قَصَرَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ : إنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلدُّخُولِ فِي الْجُمَلِ السَّابِقَةِ قَائِمٌ وَالْمُخْرَجَ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَزَالُ عَنْ الْمُقْتَضِي بِالشَّكِّ . وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الضَّمِيرِ ؛ فَإِنَّ الضَّمِيرَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ إذَا لَمْ يَقُمْ مُخَصِّصٌ وَعَلَى هَذَا فَحَمْلُ الضَّمِيرِ عَلَى الْعُمُومِ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْخُصُوصِ مِثْلُ تَخْصِيصِ اللَّفْظِ الْعَامِّ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّهُ إذَا قَالَ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . فَإِنَّ إعَادَةَ الضَّمِيرِ إلَى الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ . وَالظَّاهِرُ ؛ بَلْ الْمَقْطُوعُ بِهِ مِنْ حَالِ الْعَاقِلِ : أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ : فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ إعْطَاءَ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ فَالْأَقْرَبِ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ إذَا نُقِلَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ إلَى ابْنِهِ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ . أَمَّا كَوْنُهُ فِي بَعْضِ الطَّبَقَاتِ يَخُصُّ الْأَقْرَبِينَ إلَيْهِ وَفِي بَعْضِهَا بِنَقْلِ النَّصِيبِ إلَى وَلَدِ الْمَيِّتِ أَوْ إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ : فَمَا يَكَادُ عَاقِلٌ يَقْصِدُ هَذَا وَإِذَا دَارَ حَمْلُ اللَّفْظِ بَيْنَ مَا الظَّاهِرُ إرَادَتُهُ وَبَيْنَ مَا الظَّاهِرُ عَدَمُ إرَادَتِهِ : كَانَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ظَهَرَتْ إرَادَتُهُ هُوَ الْوَاجِبَ ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى الْمَقْصُودِ . فَإِذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمَلًا وَقَدْ تَرَجَّحَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ تَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَيْهِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ الَّتِي نِسْبَتُهَا وَنِسْبَةُ غَيْرِهَا إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ سَوَاءٌ كَانَ كَالْقَاطِعِ فِي الْعُمُومِ . الْوَجْهُ السَّادِسُ : أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ الْمُتَعَقِّبُ جُمَلًا يَعُودُ إلَى جَمِيعِهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَلَا عِبْرَةَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ؛ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ نَصُّوا أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا وَلَأَفْعَلَن كَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ - أَنَّ كِلَا الْفِعْلَيْنِ يَكُونُ مُعَلَّقًا
بِالْمَشِيئَةِ . وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَأَضْرِبَن زَيْدًا ؛ ثُمَّ عَمْرًا ثُمَّ بَكْرًا - إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَيَفْعَلَن كَذَا وَعَبْدُهُ حُرٌّ لَيَفْعَلَن كَذَا أَوْ امْرَأَتُهُ كَظَهْرِ أُمِّهِ لَيَفْعَلَن كَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُخَصَّصِ ؛ لَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُعَلَّقِ . وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُعَلَّقِ : مِثْلُ الشُّرُوطِ ؛ لِأَوْجُهِ : أَحَدُهَا : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِإِلَّا وَنَحْوِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَسْمَاءِ ؛ لَا بِالْكَلَامِ . وَالِاسْتِثْنَاءُ بِحُرُوفِ الْجَزَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَلَامِ . وَقَوْلُهُ : عَلَى أَنَّهُ وَنَحْوَهُ . مُتَعَلِّقٌ بِالْكَلَامِ فَهُوَ بِحُرُوفِ الْجَزَاءِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِحُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ : إلَّا وَأَخَوَاتُهَا . وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي إلَّا زَيْدًا . الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِأَوْلَادِي . وَقَوْلُهُ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ . الشَّرْطُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ . وَقَفْت . وَهُوَ الْكَلَامُ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُرَكَّبُ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ . حَرْفُ الِاسْتِعْلَاءِ مُعَلِّقٌ لِمَعْنَى الْكَلَامِ وَهُوَ وَقَفْت . وَهَذَا قَاطِعٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ . الثَّانِي . أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِشُرُوطِ الْوَقْفِ الَّتِي يَقِفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَيْهَا ؛ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَا إخْرَاجَ بَعْضِ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ فَهِيَ شُرُوطٌ مَعْنَوِيَّةٌ . الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ . جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ جَزَائِيَّةٌ مَجْعُولَةٌ خَبَرَ أَنْ الْمَفْتُوحَةَ وَاسْمُ أَنْ ضَمِيرُ
الشَّأْنِ
وَأَنْ وَمَا فِي خَبَرِهَا فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ . فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ : وَقَفْت عَلَى هَذَا . الرَّابِعُ :
أَنَّ حَرْفَ " عَلَى
" لِلِاسْتِعْلَاءِ . فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ :
وَقَفْت عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ كَذَا . أَوْ بِعْتُك عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي .
كَانَ الْمَعْنَى وَقَفْت وَقْفًا مُسْتَعْلِيًا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَيَكُونُ
الشَّرْطُ أَسَاسًا وَأَصْلًا لِمَا عَلَى عَلَيْهِ وَصَارَ فَوْقَهُ وَالْأَصْلُ
مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْفَرْعِ . وَهَذَا خَاصِّيَّةُ الشَّرْطِ ؛ وَلِهَذَا فَرَّقَ مَنْ
فَرَّقَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّ الشَّرْطَ مَنْزِلَتُهُ
التَّقَدُّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ فَإِذَا أُخِّرَ لَفْظًا كَانَ كَالْمُتَصَدِّرِ
فِي الْكَلَامِ وَلَوْ تَصَدَّرَ فِي الْكَلَامِ تَعَلَّقَتْ بِهِ جَمِيعُ
الْجُمَلِ فَكَذَلِكَ إذَا تَأَخَّرَ . فَلَوْ قَالَ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي
ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ إنْ كَانُوا
فُقَرَاءَ . كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : عَلَى أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ .
وَأَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مُوجِبٌ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ
فَكَذَلِكَ الْآخَرُ . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّلَائِلَ تُوجِبُ أَنَّ الضَّمِيرَ
يَعُودُ إلَى جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ
بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَعَقِّبَ جُمَلًا يَعُودُ إلَى جَمِيعِهَا
وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْأَخِيرَةِ مِنْهَا كَمَا اتَّفَقُوا
عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ
.
الْوَجْهُ السَّابِعُ : أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ فَاسِدٌ
عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خُصُوصًا وَعَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ أَيْضًا :
وَذَلِكَ أَنَّ الرَّج